الميتامسرح في إطار استراتيجية التناص.. منظورات جمالية محددة تستهدف تقويض تصورات كلاسيكية وتعويضها بأخرى حداثية

لقد اقترن الميتامسرح في الغرب بالتناص Intertextualité، وذلك من خلال تجارب في الكتابة الدرامية حاولت استعادة بعض النصوص السابقة عليها في الزمان، وفي إطار منظورات جمالية محددة تستهدف تقويض تصورات كلاسيكية وتعويضها بأخرى حداثية، كما هو الشأن في نماذج من المحاكاة الساخرة (لنتذكر، مثلا، ما فعله يونسكو ب" ماكبث" شكسبير)، أو تضمين رؤية جديدة عبر استحضار نص آخر، وذلك في إطار صورة " تمنح النص وضع الإنتاجية وليس إعادة الإنتاج " (1).
وقد استطاعت استراتيجية التناص في الغرب أن تخلق للميتامسرح بعضا من ملامحه النقدية والإيديولوجية في آن واحد، مساهمة بذلك في إنتاج تفاعلات بين البنيات الأدبية والفكرية للمسرح الغربي، ترتب عليها ظهور " حوار النصوص" الذي ساهم في إخصاب التجربة المسرحية الغربية إلى جانب " صراع المسارح " الذي وقفنا عليه آنفا.
إذا كان هذا حال المسرح الغربي، فإن المسرح العربي قد أفرز إطارا واضحا لهذا الاقتران بين الميتامسرح والتناص، هو الإطار التجريبي. وبما أن مجال الكتابة الدرامية شكل الأرضية الأساسية للتجريب، فإن استراتيجية التناص انصبت، بالأساس، على محاولة تمثل تقنيات الكتابة الغربية.
لقد انخرط النص العربي مع النص الغربي في ما سماه أحد النقاد العرب بجدلية الإحلال والإزاحة التي تترك " بصماتها على النص .. وهي بصمات هامة توشك معها فاعلية النص " المزاح " ألا تقل في أهميتها وقوة تأثيرها عن فاعلية النص " الحالّ " الذي احتل مكانه أو شغل جزءا من هذا المكان .. لأن النص " الحالّ " قد ينجح في إبعاد النص " المزاح " أو نفيه من الساحة، ولكن لا يتمكن أبدا من الإجهاز عليه كلية أو من إزالة بصماته عليه " (2).
وبالنظر إلى علاقة هذه الجدلية بالنص الدرامي العربي، نلاحظ أنها اتخذت مظهرين أساسيين ينحدران من نظام لعبي واحد، لكن العلاقة المتحكمة فيهما تختلف من مظهر إلى آخر. ويتعلق الأمر باستراتيجيتين تناصيتين هما :
- المعارضة Pastiche التي تقوم على أساس محاكاة Imitation أسلوب في الكتابة، وذلك باتخاذ عمل دارمي ما باعتباره نموذجا ومحاولة تقليده.
- المحاكاة الساخرة Parodie التي تقوم على أساس التحويل Transformation وقلب عمل درامي ما من إطار الجاد إلى إطار الساخر.
وللوقوف عن كثب على هذين المظهرين، سنحاول الاقتراب من نصين يعكسانهما بشكل واضح؛ الأول لعبد الكريم برشيد، وهو نص " عطيل والخيل والبارود " الذي يقوم على محاكاة نص لبيرانديلو هو " ست شخصيات تبحث عن مؤلف "، والثاني لمحمد الماغوط، وهو نص " المهرج " الذي أقامه صاحبه على أساس السخرية من شكسبير Parodier Schakespeare ، وبالخصوص من مسرحيته " عطيل ".
(1) رولان بارث ـ نظرية النص ـ ترجمة محمد خير البقاعي ـ مجلة العرب والفكر العالمي ـ العدد 3 ـ صيف 1988 ـ ص.96.
(2) صبري حافظ ـ التناص وإشاريات العمل الأدبي ـ عيون المقالات ـ العدد 2 ـ 1986 ـ ص.81.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال