إشكالية العنف في المؤسسات التعليمية.. طبيعة العلاقة التي تربط المتعلم بمؤسسته و ضعف الآليات التربوية الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة



إنها إشكالية تستحق دراسة أو بحثا دقيقا وعلميا لملامسته و تحديد أشكاله و العوامل المغذية له و انعكاساته على العملية التربوية في مجملها. لكن هذا لا يمنع من القول أن ظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية تزداد تفشيا، و هي ذات مظاهر وأوجه متعددة و متداخلة و تختلف حدتها من مؤسسة إلى أخرى. إنها تعكس طبيعة العلاقة التي تربط المتعلم بمؤسسته؛ إذ يمكن طرح تساؤلات من قبيل: إلى أي حد يحب المتعلم مدرسته ؟ هل يحس بالأمان و الاطمئنان وهو بداخلها ؟ هل يمثل فضاءها امتدادا لفضائه الشخصي ؟ و نفس الأسئلة يمكن أن تطرح حتى بالنسبة للعاملين بها من أساتذة و حراس عامون ومدراء و غيرهم.
إن التصريح بأن "العنف مرفوض بجميع أشكاله، و أن ترهيب المتعلم مرفوض، و أن الوزارة اتخذت الإجراءات الصارمة في كل الحالات التي توصلت بها في هذا الشأن "؛ إنه لا ينظر إلى الإشكالية في شموليتها  و يعكس قصورا في تصور الوزارة لهذه الظاهرة و ضعف الآليات - إن لم نقل غياب – التربوية الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة؛ كما أنه اختزال لها.
فقد يكون المتعلم هو الذي يمارس عليه العنف، كما قد يمارسه هو ضد المؤسسة و العاملين بها، ويتداخل الاثنان إلى درجة يصبح معها سلوكا يوميا – على الرغم من أنه لا يكون دائما بحدة قصوى- لكنه يقوض إمكانيات تطوير نوعية العلاقات بين مكونات المؤسسة. فإذا كانت ممارسة العنف بمختلف أشكاله على المتعلم مرفوضة، فإن أغلب العاملين بالمؤسسات يشتكون سلوكات المتعلمين اللانضباطية و المنحرفة رغم وجود القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية، و مختلف المجالس التي إلى حد الآن هناك شبه إجماع على كونها عاجزة على  ابتكار أساليب تربوية قادرة على التعامل مع الإشكالية (مجلس التدبير، المجلس التربوي، جمعيات الآباء).
   نريد أن نشير أيضا إلى شكل آخر من العنف  ، وتعاني منه على الخصوص، المؤسسات التعليمية التي تتواجد وسط أو بقرب الأحياء الشعبية، و مصدره مجموعات لا متمدرسة، معظمها يتعاطى أنواع مختلفة من المخدرات، إذ أحيانا ما تختلط عناصرها بالتلاميذ و تقتحم المؤسسات خاصة في فترات الخروج و الدخول، كما تتجمع بأبوابها؛ إن هذه المجموعات تكون مصدرا للفوضى و البلبلة، و إزعاج  بحيث يكون من الصعب منعها من الاقتراب من أبواب المؤسسة أو الدخول إليها و إلا يكون مصير كل من حاول ذلك ،العنف أو القذف و الشتم. إن هذه الأمور تنتج مناخا من اللاأمن و هو ما يؤثر سلبا على سير الدراسة و على تأسيس جو تربوي يريح العاملين و المتعلمين، بل إن عدواه أحيانا ما تنتقل إلى المتعلم نفسه.
نعتقد إذن أن إشكالية العنف في شموليتها تحتاج إلى معالجة وفق تصور عملي، قابل للتنفيذ، يحدد و يضبط تدخلات ومسؤوليات كل المتدخلين التربويين من مواقع مختلفة و كذلك الآباء و مصالح أخرى.