الخروج من بيت الطاعة.. وإغناء المشهد الثقافي العراقي من خلال التجربة الشخصية

صدر في بيروت للقاص والروائي العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي (مقيم في تونس) كتاب (الخروج من بيت الطاعة) بطبعة ثانية، منقحة ومزيدة، بعد أن صدر عام 1998 في طبعة أولي، ومسوغات إعادة الطبع مشروعة حيث استجدت شهادات وأفكار جديدة آثر أن يضيفها الكاتب إلي شهاداته السابقة التي ضمتها الطبعة الأولي.

حاول الربيعي الذي يعد من أعلام القصة العربية الحديثة أن يقدم مشهدا عريضا من تجربته في إطار جيله الذي وصفه النقاد بـ (جيل الستينات المثير للجدل) في العراق لأسباب ثقافية وتجديدية وسياسية أيضا.

يقول الكاتب في يمقدمة الطبعة الثانية: (بعد صدور الطبعة الأولي من "الخروج من بيت الطاعة" عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة عام 1998 وبمقدمة وافية من مدير هذه الوكالة القاص والصحفي خالد محمد غازي تناولها عدد من النقاد بالدرس، كما أن الأخ غازي أخبرني بأن عددا من الكتاب المصريين المعروفين راقت لهم الفكرة واقترحوا أن تنشر شهاداتهم في كتب.. لكن الانتباهة الأهم سجلها الباحث والناقد العراقي الدكتور محمد صابر عبيد باقتراح تقديم رسالة ماجستير بأكملها عن هذا الكتاب وفي مبحث جديد هو الشهادة الأدبية. وهذا ما كان حيث أنجز الأخ مولود مرعي الويس رسالته).

تنقلت الموضوعات/ الشهادات بين رصد التجربة الفنية للكاتب في القصة والرواية وبين استحضار الذاكرة القديمة التي مهدت أو أسهمت في التكوين اللاحق للنص، كما تنوعت مقالات الكتاب في النقد الأدبي وإضاءة المكونات الأولي والأساسية في مسار الكاتب وسيرة النص، ودور التراث الشعبي في نتاجه الأدبي، قصة ورواية:
(إن غني التراث الشعبي بكل ما فيه من عادات وتقاليد وطقوس وأمثال وأغان وأهازيج استوقفني مبكرا، وخاصة ما أبدعه الوجدان الشعبي في الجنوب العراقي وما تعلق منه بمدينة الناصرية بالذات).

وإذ يتوقف الكاتب عند التراث الشعبي، مكانا وزمانا، فإنه يستعيد تلك الرائحة التي تشيع عبر الذاكرة وتضمخ كلمات الكتابة، فالناصرية، مدينة الكاتب ومكان إلهامه الأول وموضع أسراره الأولي، (مدينة تعمر برائحة التراث رغم شبابها قياسا إلي المدن العراقية الأخري.

فإضافة إلي آثار أور هناك آثار "تللوه" في الشمال منها، والناصري، نسبة إلي الناصرية، يحس، وهذا ما أحسسته شخصيا وما زلت، بأنه منغرس فوق أرض ولدت فوقها أقدم الحضارات، ولادة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، ولادة أوديسة العراق القديم "ملحمة كلكامش" ثم الأحداث المليئة اللاحقة.. كما أن للمدينة غناها الميثولوجي، المزارات المتعددة وما ينسج حولها من حكايات وأساطير، المواسم الدينية، مواكب عاشوراء".

لكن السؤال هنا كيف تعمل هذه الميثولوجيا وكيف يفتح النص نوافذه لشميم عطرها المعتق والسحيق؟
يجيب الربيعي:
في روايتي "الأنهار" وقفت أمام ملحمة جلجامش التي سماها المؤرخون "أوديسة العراق القديم" وجعلت صلاح كامل الرسام وبطل الرواية يعمل علي مشروع فني كبير يتمثل بتحويل هذه الملحمة إلي مجموعة لوحات تجسد عالمها وشخصياتها من جلجامش إلي أنكيدو ثم شمخة، ومن اللافت للنظر أن هذا العمل كان مشروعا لعدد من الرسامين العراقيين أذكر منهم المرحوم كاظم حيدر وحميد العطار ومن الشباب هناء مال الله وغيرهم.. أما النتائج التي تحققت روائيا فقد تحدث عنها عدد من نقاد هذه الرواية ويمكن مراجعة كتاب "عبدالرحمن مجيد الربيعي روائيا" لمعرفة ذلك.

يجيء كتاب الربيعي سجلاً، بقدر ما هو شخصي وخاص (أي ما يتعلق بتجربته الذاتية)، بحثا فنيا واجتماعيا جمعيا قدر ما يتعلق بمكونات نصه الأدبي والنقدي المفعم بحياة الناس والمدن والأمكنة وزمان الحركة السردية للرواية والقصة.

كما يتميز الكتاب بالتنوع الواضح رغم أن ثيمته الأساسية هي الشهادة، ومن عناوينه: القصة ضمن حدود تجربتي الخاصة "محاولة للإضاءة"، إشارات في طريق مسيرتي الروائية، حكايتي مع القمر والأسوار، من التراث إلي الرواية، "الوشم" لماذا؟ وكيف كتبتها؟ وغيرها الكثير.

لا غني لدارس تجربة الربيعي عن قراءة هذا الكتاب، كما أنه كتاب إضاءات واسعة على المشهد الثقافي العراقي من خلال التجربة الشخصية.
عبدالرحمن مجيد الربيعي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال