المدرس الذي نريد.. إنسان فاعل يقترب من مرتبة الأنبياء



صور لحقيقة واحدة:
ألا ترى أخي الكريم أن هناك فئة من العاملين في قطاع التعليم قد أهان هذه الوظيفة الشريفة، حين اتخذها وسيلة للثراء والكسب المادي؟ فهو لا ينظر لهذا العمل إلا من خلال هذه الزاوية الحادة.

إن وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أن تكون وظيفةً رسميةً، أو مصدراً لكسب الرزق، إنها إعدادٌ للأجيال، وبناءٌ للأمة.

ومن حق كلِّ فردٍ أن يتطلع لعيشة هنية، وأن يتحصل على مصدر شريف لكسب الرزق، لكن هذه صورة أخرى غير تلك التي يمتهن صاحبها التدريس فلا يختاره إلا لما يدره من مال، وغاية همِّه وجلُّ حساباته المقارنة بين المكاسب والخسائر، والحوافز والعقبات، فهل يؤتمن من هذه نهاية نظرته، وغاية تطلعه؟! هل يؤتمن مثله على رعاية الجيل وإعداد النشء؟ هذه صورة..

الصورة الثانية:
ذاك المدرس الذي يشكو دهرَه، ويندب حظَّه، فإجازاته ليست بيده، والطلاب أحالوا سوادَ شعره إلى بياض، والآباء يتمون مايعجز عنه أبناؤهم.

فالمدرس عند صاحبنا أسوأ الناس حظًّا، فأقرانه حاز بعضهم على مراتب عالية، وأسوأهم حالاً من يستأذن متى شاء، ويأتي متى أراد، ويتعامل مع أوراق جامدة، لا أنفس متباينة، أما هو فيعيش بين ضجيج المراهقين، وصخب الصغار، ليعود بعدها إلى أكوام الدفاتر.

إنه هو الآخر وإن خالف صاحبه في الاتجاه، فتشاءم حين تفاءل صاحبه، ونظر بعين الخسائر حين نظر صاحبه بعين المكاسب، إنه مع ذلك لم يدرك شرف التعليم، ولم يرتق إلى أهلية التوجيه، وأي نتاج وتربية ترتجى وراء هؤلاء؟!.

الصورة الثالثة:
وهي قد تحمل أوجه تلاق مع الصورة الأولى أو الثانية، لكن صاحبها متبلد الإحساس، فاقد الغيرة يرى أبناء المسلمين يتهافتون على الفساد، ويقعون في شبك الرذيلة، ولا يحرك الأمر لديه ساكناً، أو يثير عنده حمية، فهذا ليس من شأنه.

شأنه تدريس الفاعل والمفعول، أو توضيح المركبات وقوانينها، أو حل المعادلات، بل قد يتبوأ تدريس العلم الشرعي، والتربية الإسلامية، ومع ذلك فواقع الطلاب لا يعنيه بقليل ولا كثير.

لست أدري أي عقلية تحكم هذا النوع من الناس؟! ولا أعلم من أيهما أعجب من واقع الشباب، أم من ضعف التوجيه وعدم إيجابية هذا النمط من المعلمين؟

الصورة الرابعة:
مدرس اتجه إلى التدريس كرهاً لا طوعاً، فهو لم يجد وظيفة أصلاً غيره، أو كان يريد البقاء في بلده، فهو الخيار الوحيد له، ولسان حاله يقول: مكره أخاك لا بطل، نعم من حقه أن يؤمن مجالاً يعمل فيه، لكن مثل هذا الصنف قد لا يدرك رسالة التعليم، وشرف التربية.

المدرس الذي نريد:
وحين نرفض تلك الصور السابقة جملةً وتفصيلاً، ونرى أن ما تحمله من تباين لا يخرجها من أن تكون مظاهر لحقيقة واحدة هي الإهمال وعدم إدراك المسؤولية، فما الصورة التي نريد، والمدرس الذي نتطلع إليه؟.

لسنا نريد ذاك الذي رمى الدنيا وراء ظهره وطلقها ثلاثاً فلم يعبأ بها، أو ذاك الذي لا يفارق محرابه، أو ذاك الذي لا تندُّ منه شاردة ولا واردة، إنها صور سامقة لكنها ليست لكل الناس.

إننا نريد المدرس البشر الذي يتطلع كغيره لتحصيل مورد لرزقه، ويرى أن من حقه كغيره أن يتمتع بمزايا إدارية ووظيفية، لكن كل تطلعاته تلك لم ترق إلى أن تكون الهدف الأول والأساس، والمقياس الأوحد، والعامل الأهم في اتخاذ قراره بسلوك طريق التعليم، فقد اختار هذا الطريق ليخدم الأمة من خلاله، ويعدَّ الجيل ويربيَ النشء.

إنه يحترق على واقع الشباب، ويعدهم أبناءه، ويعتبر إصلاحهم من أولويات وظيفته، وتربيتهم من مسؤوليته.
ويؤدي واجبات وظيفته على الوجه المطلوب ليهنأ بأكل راتبه حلالاً.
وهو مع ذلك كله سيحصِّل ما يحصِّله غيره من مزايا مادية، ويعيش عيشة مستقرة هنية.