تعريف المبالغةُ:
هي أن يدَّعيَ المتكلّمُ لوصف، بُلوغُهُ في الشدةِ أو الضعف حداًّ مستبعداً، أو مستحيلاً،
أنواع المبالغةِ:
تنحصرُ المبالغةُ في ثلاثة أنواع:
1- تبليغٌ:
إن كان ذلك الادّعاء للوصف من الشدة أو الضعف ممكناً عقلاً وعادةً، نحو قوله تعالى: {...ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا..} (40) سورة النــور
وكقول الشاعر في وصف فرسٍ [1]:
إذا ما سابقَتها الرّيحُ فرّتْ + وأبقَتْ في يدِ الرّيح التّرابا
وكقول امرئ القيس يصف فرساً [2]:
فَعَادَى عِداءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ + دِرَاكاً ولَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ
وصف هذا الفرسَ بأنه أدركَ ثوراً وبقرة وحشيينِ في مضمار واحد ولم يعرقْ وذلك غيرُ ممتنع عقلاًً ولا عادةً.
وقال أبو الطيب يصف فرساً [3]:
وأصْرَعُ أيَّ الوحشِ قَفَّيتُهُ بِهِ + وَأنْزِلْ عنهُ مثلَهُ حينَ أركَبُ
2- إغراقٌ:
إنْ كانَ الادّعاءُ للوصفِ من الشدّة أو الضعفِ ممكناً عقلاً، لا عادةً – كقول الشاعر [4]:
ونُكْرمُ جارَنا ما دامَ فينا ونُتْبعُهُ الكرامَة َ حَيْثُ مالا
فإنه ادَّعى أنَّ جاره لا يميلُ عنه إلى جهةٍ إلا وهو يتبعُه الكرامةَ، وهذا ممتنعٌ عادةًً وإنْ كانَ غيرِ ممتنعٍ عقلاً، وهما مقبولانِ.
3- غُلوٌّ:
إنْ كانَ الادعاءُ للوصفِ من الشدةِ أو الضعف مستحيلاً عقلاً وعادةً – كقول الشاعر [5]ِّ:
تكادُ قِسيهُ منْ غيرِ رامٍٍ + تُمكِّنُ في قلوبهِم النِّبالا
أمَّا الغلوُّ: فمنهُ مقبولٌ، ومنه مردودٌ: فالمقبولُ ثلاثةُ أنواعٍ:
- أ)- ما اقترنَ به ما يقربُّه للصحَّة، (كفعلِ مقاربةٍ ) نحو قوله تعالى {.يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} (35) سورة النــور
أو أداةُ فرَضٍٍ، نحو قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (21) سورة الحشر.
وفي قول الشاعر يصف فرساً [6]:
ويكادُ يخرج سرعة ً من ظِلِّهِ لو كان يرغبُ في فراق رفيق
- ب)- ما تضمَّنَ حسنَ تخييلٍٍ، كقول المتنبي [7]:
عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيْها عِثْيَراً + لوْ تَبتَغي عَنَقاً عَلَيْهِ لأمْكَنَا
وقول المعري [8]:
يذيبُ الرُّعبُ منهُ كلَّ عضبٍ + فلولا الغِمدُ يُمسكهُ لسالا
وكقول القاضي الأرجاني يصفُ الليلَ بالطول [9]:
يُخَيَّلُ لي أن سُمِّرَ الشهبُ في الدّجى + وشُدَّتْ بأهْدابي إليهنّ أجْفاني
- ج)- ما أخرجَ مخرجَ الهزلِ، كقول الشاعر :[10]
لكَ أنفٌ يا ابنَ حربٍ + أنفِتْ منه الأنوفُ
أنتَ في القدس تصلِّي + وهو في البيتِ يطوفُ
ومما قيلَ في الثقلاء: قال مطيع بن إياس [11]:
قلت لعباسٍ أخينا + يا ثقيلَ الثقلاء
أنتَ في الصيف سمومٌ + وجليدٌ في الشتاء
أنتَ في الأرضِ ثقيلٌ + وثقيلٌ في السماء
[1]- تراجم شعراء موقع أدب - (ج 22 / ص 44).
[2]- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 18) وجمهرة أشعار العرب - (ج 1 / ص 31) وخزانة الأدب - (ج 1 / ص 389) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 303) وأمالي القالي - (ج 1 / ص 239) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 10 / ص 381) وتاج العروس - (ج 1 / ص 7377).
[3]- الواضح في مشكلات شعر المتنبي - (ج 1 / ص 14) وشرح المشكل من شعر المتنبي - (ج 1 / ص 87) والوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 35) والعمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 75) وزهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 127) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 47 / ص 396).
قفيته: أي اتبعت قفاه. يقول: أقتُلُ بهذا الفرس أي نوع أو شخص من الوحش حاولتُ به إدراكه، وأنزل عنه بعد ذلك وهو في مثل حاله حين ركبته، من الجمام ووفور الجري لم يغيره إجرائي له، ولا أذهب ميعته.
[4]- نقد الشعر - (ج 1 / ص 25) والعمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 127) وتحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر - (ج 1 / ص 16) وخزانة الأدب - (ج 3 / ص 145) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 303) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 17 / ص 11) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 116).
[5]- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 255).
[6]- نهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 3 / ص 78) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 9 / ص 44) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 116) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 255).
[7]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 120) والوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 48) وشرح ديوان الحماسة - (ج 1 / ص 101) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 132) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 116).
العثير: الغبار يقول عقدت سنابك الجياد فوقها غبارا كثيفا لو تطلب السير عليه أمكن كما قال، كأن الجو وعثا أو خبار وهذا منقول من قول البحتري، لما أتاك جيشا أرعنا، يمشي عليه كثافة وجموعاً، فنقله أبو الطيب إلى الرهج.
[8]- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب - (ج 1 / ص 103) والجنى الداني في حروف المعاني - (ج 1 / ص 102) وشرح ابن عقيل - (ج 1 / ص 251) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 255).
اللغة: "يذيب" من الإذابة، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات "الرعب" الفزع والخوف "عضب" هو السيف القاطع "الغمد" قراب السيف (وجفنه)؟.
[9]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 116) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 255).
[10]- المستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 265).
[11]- المستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 265).
التسميات
علم البلاغة