القيمة القانونية للعرف المعدِّل.. عدم الاعتراف بمشروعية العرف المعدِّل وعدم إعطائه أي قوة قانونية سواء كان معدِّلاً بالإضافة أو بالحذف

اختلف رجال الفقه الدستوري حول مشروعية العرف المعدِّل، والقوة التي يتمتع بها هذا العرف إزاء النصوص الدستورية، وتشعَّبت آراؤهم في هذا الشأن إلى ثلاثة اتجاهات:

1- الاتجاه الأول:
يرى أنصاره عدم مشروعية العرف المعدل، وبالتالي عدم تمتعه بأي قيمة قانونية، على أساس أن العرف لا يستطيع تعديل نصوص الدستور المكتوب، وخاصة الدستور الجامد، الذي لا يتم تعديله إلا بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور القيام بذلك، وضمن الشروط والإجراءات والأصول الواجب إتباعها لتعديل أحكام الدستور.

وبناءً على ذلك، فإن العرف المعدل يعتبر انتهاكاً لنصوص الدستور وأحكامه، وإعلاءً لإرادة الهيئات الحاكمة التي تتبع هذا العرف على إرادة الأمة وسيادتها التي عبَّرت عنها في وثيقة الدستور.

2- الاتجاه الثاني:
يُقرّ أنصاره بمشروعية العرف المعدل، وذلك على أساس أن هذا العرف ليس إلا تعبيراً مباشراً عن إرادة الأمة وضميرها، وما دامت السيادة للأمة، فهي تعتبر السلطة التأسيسية العليا، وبالتالي يكون في مقدورها أن تعدل في نصوص الدستور متى أرادت.

غير أن أنصار هذا الاتجاه لم يتفقوا حول القيمة القانونية التي يتمتع بها هذا العرف إزاء النصوص الدستورية، وانقسموا في هذا الشأن إلى فريقين:

- الفريق الأول:
يرى أن العرف المعدل له قوة أدنى من قوة النصوص الدستورية، وقوته في هذا الخصوص توازي وتعادل قوة القوانين العادية فقط.

- الفريق الثاني:
يرى أن العرف المعدل له ذات القوة التي تتمتع بها النصوص الدستورية، وإلا استحال على هذا العرف أن ينتج أثره القانوني إزاء الدستور، إذ لو أعطينا العرف المعدل قوة القوانين العادية، فإنه لن يستطيع بداهةً أن يعدِّل النصوص الدستورية، لأنه لا يمكن للقاعدة القانونية الأدنى مرتبةً أن تعدِّل قاعدةً قانونيةً أعلى منها.

3- الاتجاه الثالث:
يميل أنصاره إلى التفرقة بين "العرف المعدل بالإضافة" و"العرف المعدل بالحذف"، فيعترفون بمشروعية الأول، ويلحقونه بالعرف المكمل، ويعطونه حكمه أي قوة النصوص الدستورية ذاتها، ويتنكرون لمشروعية الثاني أي العرف المعدل بالحذف، ويجردونه من كل قوة قانونية.

وأخيراً، فإن الرأي السائد في الفقه هو عدم الاعتراف بمشروعية العرف المعدِّل، وعدم إعطائه أي قوة قانونية سواء كان معدِّلاً بالإضافة أو بالحذف، لأن عدم ممارسة إحدى سلطات الدولة لحق من حقوقها الدستورية ليس من شأنه سقوط هذا الحق بالتقادم، ثمَّ إنَّ هذا العرف يتنكر لوجود السلطة التأسيسية ولحقِّها في تعديل الدستور.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال