من المعلوم أنه ليس هناك قواعد مسلم بها لوضع الدساتير، حيث تختلف الطرق المتبعة باختلاف الدول من حيث ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها.
وقد درج الفقه الدستوري على تقسيم أساليب نشأة الدساتير وفقاً لتطور الأحداث التاريخية إلى أسلوبين رئيسيين:
- أولهما أسلوب غير ديمقراطي (وهو الأسلوب الذي تسود فيه إرادة الحكام في وضع أو إنشاء الدستور، سواء نشأ هذا الدستور بإرادتهم المنفردة في صورة منحة صادرة منهم للشعب، أم تلاقت فيه إرادة هؤلاء الحكام مع إرادة الهيئات النيابية الممثلة للشعب في صورة عقد تمَّ بين هاتين الإرادتين).
- ثانيهما أسلوب ديمقراطي (يعبّر عن انتصار إرادة الشعوب وانتقال السيادة من الحاكم إلى الأمة أو الشعب الذي أصبح وحده صاحب السيادة في الدولة؛ حيث يتم وضع الدستور إما من قبل هيئة منتخبة من الشعب يطلق عليها اسم "الجمعية التأسيسية"، أو بواسطة "الاستفتاء التأسيسي"، بأن يتم طرح مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام لأخذ موافقته عليه).
ومن ناحية أخرى، تُصَنَّف دساتير الدول من حيث تدوين أو عدم تدوين قواعدها إلى نوعين رئيسيين هما: «الدساتير المدوَّنة أو المكتوبة» و«الدساتير غير المدوَّنة أو العرفية»، كما تُصَنَّف الدساتير من حيث كيفية تعديل قواعدها إلى نوعين رئيسيين هما: «الدساتير المرنـة» و«الدساتير الجامدة».
ومن ناحية ثالثة، فإن الدستور لا بد أن يقبل التعديل بحكم طبيعته، لأنه عبارة عن قانون، وقواعد القانون أياً كان مصدرها قابلة للتغيير والتبديل تبعاً لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة.
ولهذا، فإن الدستور وهو القانون الأسمى في الدولة يجب أن يكون ذا طبيعة متجددة في جميع أحكامه كأي قانون آخر، بحيث يكون قابلاً للتعديل حتى يستطيع أن يساير مقتضيات تطور المجتمع، ويكون صورة حقيقية لنظام الحكم السائد في هذا المجتمع، وإلا أصبح معرضاً للتعديل الكلي عن طريق الثورة أو الانقلاب.
وتقتضي دراستنا لموضوع تعديل الدساتير أن نحدِّد السلطة أو الجهة المختصة بتعديل الدستور من ناحية، وإجراءات التعديل من ناحية أخرى، وأخيراً النطاق الذي يتم فيه التعديل.
وأخيراً، إذا كان تعديل القواعد الدستورية يعد وسيلة من وسائل إيجاد التلاؤم بين ظروف الدولة والنصوص الدستورية التي تحكمها، وسدّ الفجوة التي تظهر بين التنظيم القانوني القائم والواقع الفعلي.
فقد يحدث أن تتطور الأفكار السياسية في الجماعة تطوراً كبيراً، بحيث تبعد المسافة التي تفصل بينها وبين ما تتضمنه القواعد الدستورية.
وفي هذه الحالة لا يكفي تعديل بعض النصوص الدستورية لتحقيق هذا التلاؤم، بل يجب إلغاء الوثيقة الدستورية إلغاءً كلياً واستبدالها بغيرها، أي أن الأمر يتطلب وضع حد لحياة الدستور القديم، وذلك بإلغائه ووضع دستور جديد يتلاءم مع التغييرات التي طرأت على المجتمع.
والمتتبع للكيفية التي لاقت بها الدساتير نهايتها، يلحظ أن هذه النهاية إما أن تكون نهاية طبيعية أو أن تكون نهاية غير طبيعية، وذلك تبعاً لما إذا كان الأسلوب الذي اتبع لإنهاء العمل بالدساتير أو إلغائها أسلوباً عادياً (بواسطة السلطة التأسيسية) أم أسلوباً ثورياً (بطريق اللجوء إلى الثورة أو الانقلاب).
التسميات
قانون دستوري