الاتجاه الذي يميز بين طائفتين من الأحكام التي تتضمنها إعلانات الحقوق.. الأحكام الوضعية. الأحكام أو القواعد التوجيهية أو المنهجية

على الرغم من الاعتراف للأحكام والمبادئ الواردة في إعلانات الحقوق بالقيمة القانونية التي تتمتع بها القواعد الدستورية، فإن فريقاً ثالثاً من الفقهاء، يفرِّق  بحق  بين نوعين من الأحكام الواردة في إعلانات الحقوق:

1- الأحكام الوضعية:
وهي عبارة عن نصوص محدَّدة وردت في إعلانات الحقوق على شكل قواعد قانونية، تنشئ مراكز قانونية واضحة الحدود والمعالم.

فهي نصوص قانونية ملزمة بذاتها، ويتعين تطبيقها فوراً وعدم الخروج عليها، شأنها في ذلك شأن نصوص القانون الوضعي.

ومن أمثلة هذه النصوص المادة العاشرة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789 التي تعلن حرية الرأي والاعتقاد الديني بشرط عدم الإخلال بالنظام العام الذي يقرره القانون.

وكذلك المادة الأخيرة من هذا الإعلان التي تقضي بأن الملكية الفردية حق مصون مقدس، فإذا ما تطلبت الضرورة العامة الثابتة على نحو قانوني أن تنزع ملكية أحد، فإن ذلك لا يكون إلا مقابل تعويض عادل يُدفع مقدَّماً.

2- الأحكام أو القواعد التوجيهية أو المنهجية:
وهي عبارة عن قواعد تُعلَن في شكل أهداف أو مُثُل عليا أو توجيهات عامة، توضح وتوجّه أهداف النظام الذي ينبغي أن يسود في الدولة، ولا تصلح بذلك لأن تكون قواعد قانونية بالمعنى الصحيح، ومن ثم تتجرّد بذاتها من صفة الإلزام الفوري، ولا يمكن أن تعتبر بالتالي قواعد ملزمة يمكن الاحتجاج بها في مواجهة السلطات العامة، ولا يكون لها إلا مجرد قيمة فلسفية، وأهمية سياسية، وقوة إلزام أدبية.

ومن أمثلة هذه القواعد إعلان حق العمل لكل مواطن، والحق في المعونة في حالات الشيخوخة والمرض والعجز عن العمل أو البطالة.

وكما هو واضح، فإن مثل هذه القواعد توضح للمشرّع مستقبلاً معالم نشاطه بأن يعمل على احترامها، وألا يصدر تشريعاً يخالف في أحكامه مبادئ هذه القواعد، وإلا عُدَّ مثل هذا التشريع غير دستوري.

ومن ذلك يتبين لنا الفرق بين "الأحكام الوضعية" و "القواعد التوجيهية" في أن الأحكام الأولى تنتمي إلى أحكام القانون الوضعي وتعتبر بالتالي نصوصاً قانونية محددة ملزمة بذاتها وقابلة للتطبيق الفوري.

أما القواعد الثانية فهي مجرد أصول علمية فلسفية غير ملزمة بذاتها وتنتظر من المشرع تدخّله كي يضع مبادئها موضع التطبيق والإلزام فيما يصدره من تشريعات في حال قيامه بذلك.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال