انتشار أسلوب الاستفتاء التأسيسي.. يعد الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام، ونشره في الجريدة الرسمية، وتشكيل الحكومة بموجبه

بدأت فكرة الاستفتاء التأسيسي بالظهور مع حركة تدوين الدساتير في بعض المستعمرات الأمريكية الشمالية عقب استقلالها عن بريطانيا العظمى في عام 1776.

ولم يكن يُنظر آنذاك إلى الاستفتاء الشعبي على أنه مجرد وسيلة فنية ممكنة لوضع الدساتير، وإنما كتعبير مباشر عن ممارسة فكرة السيادة الشعبية.

ففي عام 1778، قام المجلس التشريعي المحلي Provincial Assembly لولاية ماساشوستس State of Massachusetts تحت ضغط المزارعين والبلدات الواقعة غرب الولاية  بإعداد دستورٍ عرضه على التصويت الشعبي لإبداء الرأي فيه، فرفضه الشعب، لأن المجلس التشريعي هو من قام بإعداد وثيقة الدستور، وكان من المفترض أن يقوم بهذه المهمة مؤتمر خاص Special Convention يُنتخب خصيصاً لهذا الغرض، وليس المجلس التشريعي، ولهذا سُحِبَ مشروع الدستور، وقام الشعب بانتخاب مؤتمر دستوري Constitutional Convention تولى وضع دستور جديد، وافق عليه الشعب في استفتاء عام جرى في حزيران 1780.

وتأكَّد ظهور الاستفتاء التأسيسي كوسيلة من الوسائل الديمقراطية لوضع الدساتير بصورة واضحة في الإعلان الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الفرنسية المعروفة باسم La Convention Nationale في أولى جلساتها بتاريخ 21 أيلول عام 1792، وقرَّرت فيه أن «لا وجود لأي دستور إلا ذلك الذي يقبله الشعب».

وتنفيذاً لهذا الإعلان خضع للاستفتاء الشعبي دستور 24 حزيران لسنة 1793، ودستور رقم 5 فريكْتدور للسنة الثالثة لإعلان الجمهورية، ودستور 22 فريمير للسنة الثامنة.

ثم تحول الاستفتاء بعد ذلك من حيث الواقع  خلال الإمبراطوريتَيْن الأولى والثانية، وفي ظل دستور سنة 1870 إلى استفتاء شخصي أو استرآس Plébiscite يُطلب فيه من الشعب التعبير عن ثقته في شخص رئيس الدولة وفي النظام السياسي الذي يقترحه.
ثم عاد الاستفتاء إلى الظهور في صورته الحقيقية في دستورَيْ الجمهوريَّتَيْن الرابعة لعام 1946 والخامسة لعام 1958.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 والاستفتاء التأسيسي آخذ في الانتشار في بلاد العالم المتقدِّم والمتخلِّف على السَّواء، خاصة تلك التي نشأت من تفكّك إمبراطوريات ما قبل هذه الحرب.

فقد قام على أساسه دستور جمهورية فيمار Weimar Republic الألماني لسنة 1919، ودستور اسبانيا لسنة 1920، ودستور النمسا لسنة 1920، ودستور ايرلندا الحرة لسنة 1937، وكافة الدساتير الجمهوريَّة في مصر وآخرها الدستور الحالي لسنة 1971 الذي نص في المادة رقم/193/ منه على أن: «يُعمل بهذا الدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء».

ومن الدساتير الحديثة التي صدرت وفقاً لأسلوب الاستفتاء الدستوري، دستور الاتحاد الروسي (روسيا الاتحادية) الذي وافق عليه الشعب في استفتاء عام جرى في كانون الأول سنة 1993.

وقد جاء في القِسم الثاني من هذا الدستور (بعنوان الأحكام الختامية والانتقالية، أن «دستور الاتحاد الروسي سيدخل حيز التنفيذ لحظة نشره بصورة رسمية عقب إعلان نتائج الاستفتاء العام، كما أن اليوم الذي سيجري فيه الاستفتاء في عموم البلاد ـ وهو 12 كانون الأول 1993 ـ سيكون هو تاريخ تبني دستور الاتحاد الروسي».

وكذلك أيضاً دستور الاتحاد السويسري لسنة 1999 (وهو الذي حلَّ محل الدستور الاتحادي الصادر في 29/5/1874)، الذي أقرَّ مسودته البرلمان الاتحادي في 18 كانون الأول عام 1998، ثم وافق عليه الشعب السويسري (بأغلبية 59% "نعم" مقابل 41% "لا") في استفتاء عام جرى بتاريخ 18 نيسان سنة 1999، ودخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني سنة 2000.

كما أن دستور جمهورية العراق الدائم لسنة 2005 صدر وفقاً لهذا الأسلوب، حيث نص في المادة /143/ منه على أن «يُعدّ هذا الدستور نافذاً، بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام، ونشره في الجريدة الرسمية، وتشكيل الحكومة بموجبه».

أما بالنسبة لطريقة وضع دستور سوريا الحالي الصادر في سنة 1973، فيمكن القول بأنه وضع بطريقةٍ ديمقراطيةٍ، فبناءً على طلبٍ من رئيس الجمهورية الراحل حافظ الأسد "رحمه الله "، شُكِّلت في 26 آذار عام 1972 لجنة برئاسة فهمي اليوسفي رئيس مجلس الشعب مهمتها وضع مشروع دستور دائم للبلاد.

وخلصت هذه اللجنة بعد دراسةٍ استغرقت مدة عامٍ كاملٍ تقريباً، إلى وضع مشروع دستور الجمهورية العربية السورية، ثم عرض على مجلس الشعب، فأقرَّه بعد مناقشاتٍ طويلة،في جلسته المنعقدة بتاريخ 30/1/1973 وتاريخ 20/2/1973.

وبتاريخ 3/3/1973 أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم/199/ المتضمن دعوة المواطنين للاستفتاء على الدستور المذكور بتاريخ 12/3/1973 وفقاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم/8/ تاريخ 1/3/1973 الناظم لأحكام الاستفتاء.

وبعد أن اقترن الدستور بتأييد أغلبية ساحقة من هيئة الناخبين  وفقاً لنتيجة الاستفتاء المعلنة بقرار وزير الداخلية رقم 166/ ن تاريخ 13/3/1973 أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم /208/ القاضي بنشر الدستور في الجريدة الرسمية واعتباره نافذاً من تاريخ 13/3/1973.