تقدير أسلوب الجمعية التأسيسية.. تحجيم دور الشعب وحصره في إطارٍ ضيق يقتصر على المساهمة السلبية التي لا تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية



إن أسلوب الجمعية التأسيسية على الرغم من أنه يعدّ تطبيقاً سليماً للديمقراطية النيابية، إلا أنه يؤخذ عليه أنه يؤدي إلى تحجيم دور الشعب وحصره في إطارٍ ضيق يقتصر على المساهمة السلبية التي لا تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية دون أن يتدخل الشعب في تحديد اتجاهات الجمعية أو التأثير بالإيجاب في مضمون الدستور الذي يتحدد مصيره بالكامل من قبل أعضاء الجمعية النيابية المنتخبة.

ولا يقلّل من هذه المخاوف أن انتخاب الشعب لأعضاء الجمعية إنما يتم على أساس اتجاهاتهم المعلنة بالنسبة للمبادئ التي تحكم التنظيم الدستوري، لأن هذه الاتجاهات فضلاً عن كونها التزاماً أدبياً واهياً، فإنها تنصب على العموميات دون النظر إلى التفصيلات؛ وهو ما يؤكّد أن الدستور يتم وضعه بعيداً عن رقابة الشعب الذي يعطي الجمعية تفويضاً على بياض.

ومما يزيد الأمر خطورةً، أن انتخاب الجمعية التأسيسية خاصةً في الدول الحزبية سوف تحكمه ذات الأسس التي تسيطر على الانتخابات التشريعية، مما قد يؤدي إلى تحويل الجمعية التأسيسية من هيئة يُفترض فيها الحياد وغَلَبة الطابع الفني إلى جماعةٍ تسيطر عليها النزعات السياسية، ويحكم سير العمل فيها الاتفاقات الحزبية التي تستهدف تحقيق مصالحٍ وأهدافٍ ذات طابعٍ حزبيّ ضيّق.

وتجدر الإشارة إلى أن الفقه الدستوري يتطلب توافر شروط معينة لعدّ الدستور الذي تضعه الجمعية التأسيسية ديمقراطياً، وهذه الشروط تتمثل في الآتي:

1- يجب أن تكون الجمعية التأسيسية منتخبة بواسطة الشعب، لا أن يُعيَّن أعضاؤها من قبل الحكومة أو قادة الانقلاب.

2- يجب أن يكون الانتخاب ديمقراطياً، وبمعنى آخر يجب أن يتم انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وفقاً لمبادئ الاقتراع العام، الحُرّ، المتساوي، السري، المباشر (أي على درجة واحدة)، كما يجب أن يتم فرز وإحصاء الأصوات الانتخابية المدلى بها في صناديق الاقتراع تحت إشراف ورقابة القضاء.

ولهذا قيل بأن سلامة هذا الأسلوب (أسلوب الجمعية التأسيسية) تتوقف على صحة العملية الانتخابية ودقة التمثيل النيابي.

3- ولكي يكون الانتخاب حراً بالمعنى الصحيح، فإنه من الضروري أن يكون هنالك خيارات متعددة أمام الناخبين.
وهذا ما توفّره الأحزاب السياسية les partis politiques في الدول الديمقراطية.

وهو ما يعني إتاحة الفرصة أمام جميع الأحزاب السياسية القائمة - دون استثناء - للمشاركة في عملية انتخاب الجمعية التأسيسية.

4- يجب أن تكون الحريات العامةles libertés publiques في الدولة مصانة ومكفولة، وإلاَّ فإنَّ اشتراك الأحزاب السياسية المختلفة في الانتخابات سيكون بلا معنى، لأن هذه الانتخابات ستجرى في جوٍ من القمع والكَبْت للحريات.

5- وبالإضافة إلى ما سبق، ينبغي على الجمعية التأسيسية - التي تتوافر فيها الشروط التي ذكرناها آنفاً - أن تمارس عملها بحريّةٍ وحيادٍ تامّين، أي أن تكون بمنأى عن كل الضغوطات السياسية les pressions politiques التي قد تؤثر في عملها.