ظلت الأنظمة الدستورية في الدول المختلفة حتى أواخر القرن الثامن عشر تستمد قواعدها من العرف وحده، إلى أن قامت الثورة الأمريكية وما عاصرها من حركات فكرية تهدف إلى وضع دساتير مكتوبة، حتى إنه يمكن القول أنَّ أوَّلَ الدساتير المكتوبة هي تلك التي وضعتها لنفسها المستعمرات الإنجليزية في أمريكيا الشمالية حينما أعلنت استقلالها وانفصالها عن بريطانيا العظمى، وذلك عقب حرب الاستقلال في سنة 1776، إذ صدرت في تلك السنة دساتير ولايات كل من فرجينيا ونيوجرسي وديلاوير وبنسلفانيا وماريلاند، ثم تبعها في السنة التالية دستورا ولاية جورجيا وولاية نيويورك.
وفي سنة 1778 صدر دستور ولاية ماساشوستس، وما إنْ حلَّ عام 1780 حتى كانت جميع المستعمرات أو الولايات المستقلة عن التاج البريطاني قد انتهت من وضع دساتير مكتوبة لها تنشئ على أساسها حكوماتها الجديدة.
وفي الأول من شهر آذار سنة 1781 صدر رسمياً أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية، وهو دستور الاتحاد الكونفدرالي (أو التعاهدي) الذي أقام رابطة صداقة بين الولايات الأمريكية (وهي ثلاث عشرة ولاية) التي نالت استقلالها في عام 1776 عن البلد الأُم "بريطانيا العظمى"، وذلك في سبيل دفاعها المشترك والمحافظة على حرياتها ورخائها.
ثم صدر بعد ذلك الدستور الفيدرالي (وهو الدستور الصادر في 17 أيلول سنة 1787، والذي دخل حيّز التنفيذ في سنة 1789 وما زال نافذاً ومعمول به حتى يومنا هذا ـ وبذلك فهو أقدم دستور مكتوب مع العلم أنه أدخل عليه تعديلات عدة بلغت 27 تعديلاً، كان آخرها التعديل السابع والعشرون الذي تم إقراره في 7 أيار عام 1992).
وقد كان صدور الدساتير الأمريكية المختلفة فاتحةً لحركةِ تقنينٍ دستورية واسعة بدأتها فرنسا في أعقاب ثورتها الكبرى سنة 1789، فأصدرت أول دستور مكتوب لها في سنة 1791.
ثم انتقلت فكرة الدساتير المكتوبة من فرنسا إلى بقية دول أوروبا، فصدر دستور السويد سنة 1809 والنرويج سنة 1814 وبلجيكا سنة 1831 وسويسرا سنة 1874 وهولندا سنة 1887.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى اتسع نطاق حركة تدوين الدساتير وازداد انتشارها، فقد انتهت هذه الحرب بانهيار الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية والعثمانية، وقامت على أنقاضها دول جديدة أخذت كلها بنظام الدستور المدون، فصدر في روسيا دستور سنة 1918 (وهو أول الدساتير الاشتراكية)، وفي ألمانيا دستور فيمار سنة 1919، وفي النمسا دستور سنة 1920، وفي تركيا دستور سنة 1924.
وأدت الحرب العالمية الثانية إلى انحسار المد الاستعماري عن معظم أجزاء العالم، لاسيما في آسيا الجنوبية الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط، وقيام دول وطنية وضعت كلها دساتير مدونة تنظم شؤون الحكم فيها.
ومن العوامل التي تدفع الدول الجديدة إلى التعجيل في وضع دستور لها أنَّ هيئة الأمم المتحدة تجعل من قيام دستور في الدولة شرطاً لقبولها عضواً في الهيئة العالمية.
وهكذا عمَّت حركة إصدار الدساتير المكتوبة في البلاد المختلفة في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا، كما سادت أيضاً في البلاد العربية.
التسميات
قانون دستوري