بقي التنظيم السياسي للدول المختلفة حتى أواخر القرن الثامن عشر يخضع لنظام أساسي يستمد قواعده لا من دستور مدوَّن في وثيقة رسمية تسمَّى بالدستور وإنما من العادات والأعراف والقرارات والسوابق القضائية والاتفاقات والتقاليد الدستورية والممارسات السياسية Political Practices المشتقة من مبادئ ثابتة ومستقرة تشكّل في مجملها قواعد النظام العام التي رضي أفراد الجماعة الالتزام بها والخضوع لمقتضياتها.
ومن الطبيعي أن تتخذ القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة في أول ظهورها شكلاً عرفياً غير مقنَّن، شأنها في ذلك شأن غيرها من القواعد القانونية.
فمن الثابت أن العرف هو أول مصدر للقانون في تاريخ المجتمع.
فالعرف هو الذي كان يحكم الجماعة البشرية طوال الحقبة السابقة على معرفة الإنسان للكتابة، بل إن القواعد القانونية المكتوبة التي ظهرت فيما بعد لم تكن في الواقع إلا تدويناً لما استقرت عليه العادات والتقاليد المرعية في ذلك الوقت.
وإذا كان دور العرف كذلك في نطاق الفروع المختلفة للقانون، فإن أهميته تكون أعظم ومجاله أوسع في نطاق القانون الدستوري، خصوصاً وأن الحاكم المطلق (الذي كان يستند في مباشرته لشؤون الحكم إلى نظريات دينية كنظرية تأليه الحاكم أو نظرية الحق الإلهي المباشر أو غير المباشر) لم يكن يقبل بسهولة وضع نصوص دستورية مكتوبة لتنظيم شؤون الحكم، نظراً إلى ما في مثل هذا التنظيم المدون من تقييد لسلطات الحاكم قد يصعب عليه أن يتحلل منه فيما بعد.
وقد كان طبيعياً إذن أن نلمس مقاومة عنيفة من الملوك والحكام القدامى لكل فكرة تهدف إلى تقنين القواعد المنظمة للسلطة من حيث تأسيسها وانتقالها وشروط ممارستها.
ويمكن تعريف الدستور العرفي بأنه «مجموعة القواعد المتعلقة بنظام الحكم في الدولة (أي بالتنظيم السياسي للدولة)، غير المدوَّنة في وثيقة أو وثائق رسمية، ولهذا فإنها تستمد أحكامها بصورة أساسية من العادات والأعراف والسوابق التاريخية والتقاليد أو الاتفاقات الدستورية التي اكتسبت مع مرور الزمن القوة القانونية الملزمة، وذلك نتيجةً لاستمرار سير السلطات العامة على هداها في مباشرة وظائفها».
ويستفاد من هذا التعريف، أن الدستور العرفي خاص بالدول التي لا يقوم نظامها على الوثيقة الدستورية المكتوبة، وبمعنى آخر يوجد في الدول التي لا يوجد بها دستور مكتوب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن أحكام الدستور العرفي لا تستند إلى تشريع وضِع بواسطة المشرِّع الدستوري أو السلطة التأسيسية، وإنما إلى أحكام ومبادئ نشأت وتكوَّنت عن طريق الأعراف والتقاليد والممارسات السياسية والسوابق التاريخية.
ويترتب على ذلك أن القواعد العرفية تعدّ المصدر الأساسي للقانون الدستوري في الدول التي تأخذ بالدساتير غير المكتوبة؛ إذ تعتمد هذه الدول ومثالها التقليدي بريطانيا على تلك القواعد العرفية في تحديد القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة أي القواعد المنظمة للسلطة من حيث تأسيسها وانتقالها وممارستها.
ويعدّ الدستور الإنجليزي (البريطاني) أوضح وأقدم مثال لهذا النوع من الدساتير، فمن المعروف أن بريطانيا هي البلد الديمقراطي الوحيد في العالم الذي لا يملك دستوراً مكتوباً ولا يستعد لكتابته، فالدستور البريطاني هو «دستور غير مدوَّن» Unwritten Constitution، أو بمعنى أدقّ هو «دستور غير مُقَنَّن» Un-codified Constitution، أي أنَّ أحكامَه غيرَ مُضَمَّنةٍ في وثيقةٍ واحدةٍ أسوةً بالدستور الفرنسي أو الأمريكي أو غيرهما من الدساتير، ولهذا يتعيَّن الرجوع إلى مصادرَ مختلفةٍ لمعرفة هذه الأحكام.
التسميات
قانون دستوري