عدم السقوط التلقائي للدستور القائم.. مصلحة البلاد تقتضي إسقاط الدستور القائم والعمل على وضع دستور جديد يترجم الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها

ذهب جانب من الفقه الدستوري إلى أن سقوط الدستور بعد انتصار الثورة أو نجاح الانقلاب ليس أمراً حتمياً، فليس من اللازم أن يترتب على ذلك النجاح سقوط الدستور تلقائياً.

إذ قد يكون الهدف من الثورة أو الانقلاب هو المحافظة على الدستور وحمايته من عبَث الحكَّام (أي أن الثورة هنا تعتبر بمثابة ضمانة من ضمانات احترام الدستور).

فكيف يفرض الفقه على رجال الحركة الثورية إسقاط الدستور وهم ما قاموا إلا للدفاع عنه وصيانته من تلاعب الحكومة بنصوصه، وقد يحتاج الأمر إلى الإبقاء على الدستور فترة من الزمن ثم يعلن قادة الحركة الثورية بعد ذلك سقوطه.

وبناء على ذلك، فإن الدستور المصري لسنة 1923 لم يسقط مباشرةً بمجرد انتصار الثورة المصرية التي قامت في 23/7/1952، لأنها لم تكن موجهةً ضد نظام الحكم أي ضد الدستور، بل كانت موجهةً ضد فساد وطغيان أداة الحكم، وبخاصة رأس هذه الأداة وهو رئيس الدولة.

ولهذا استمر العمل بالدستور على مدى خمسة أشهر تقريباً، وخلال الأشهر الأولى التي أعقبت انتصار الثورة تطورت هذه الأخيرة تدريجياً من ثورة ضد أداة الحكم إلى ثورة ضد نظام الحكم، وحين تم ذلك التطور أصدر القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ 10/12/1952 إعلاناً دستورياً يقضي بسقوط دستور 1923.

ومن جانبنا، فإننا نشاطر الرأي القائل بأن السقوط التلقائي للدستور القائم من عدمه، إنما هي مسألة تتوقف على طبيعة أهداف وغايات الحركة الثورية  ثورةً كانت أم انقلاباً وإرادة وعقلية القائمين بها، والظروف المحيطة بهذه الحركة.

ولذلك فإننا نفضل الأخذ بالاتجاه الذي يرى أن سقوط الدستور لا يتم فوراً، بل يتوقف الأمر على موقف رجال النظام الجديد منه، فقد يجد هؤلاء أن مصلحة البلاد تقتضي إسقاط الدستور القائم والعمل على وضع دستور جديد يترجم الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها.

وقد يتريث هؤلاء القادة في الإعلان عن سقوط الدستور حتى تستقر الأوضاع في الدولة وتتهيأ الظروف لذلك، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة لثورة 23 يوليو 1952في مصر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال