الحداثة الشعرية في النقد الأدبي المعاصر.. قضية التحديث الشعري ظهرت بوصفها قضية نقدية والتجديد في الصورة الفنية والمعاني الشعرية

على الرغم من أن الموضوع في الرواية العربية قد احتل مكانة خاصة، في النقد الأدبي العربي المعاصر؛ غير أنه يمكن التوكيد أن موضوع الحداثة الشعرية هو الموضوع الأكثر إشكالية وحرارة، في ذلك النقد.

ولعل هذا ينهض من أهمية الشعر التاريخية، في الذوق الجمالي العربي، كما ينهض من أن الحداثة نفسها، قد طرحت عدة إشكاليات فنية وجمالية، بالنسبة إلى الذوق السائد، من جهة، وبالنسبة إلى مفهوم الشعرية  POETICS من جهة أخرى.

وقد لا نبالغ إذا ماذهبنا إلى أن ما صاحب هذه الحداثة من مقاربات نقدية، ومن خلاف بين مؤيد ومعارض، كان له الأثر الكبير، في تطور النقد المعاصر، وبلورة الكثير من مفاهيمه النقدية.

ولكن، في المقابل، لم يكن لهذه الحداثة أن تتعمق وتتبلور، لولا ذلك النقد الذي كانت قضية التحديث الشعري إحدى قضاياه الأساسية.

ونودُّ أن نسجل في هذا المجال، أن قضية التحديث الشعري قد شغلت النقد الأدبي الحديث ، منذ أوائل هذا القرن. أي منذ أن ظهرت مدرسة الديوان التي كانت لها المبادرة الأولى، في الهجوم على كل ما هو تقليدي، في الشعر العربي.

وإذا ماوضعنا في الاعتبار أن الأطروحات النقدية، لهذه المدرسة، أكثر أهمية من نتاجها الشعري، ولاسيما في بداياتها الأولى؛ فإن ذلك يعني أن قضية التحديث الشعري قد ظهرت بوصفها قضية نقدية، أولاً.

وقد يبدو من الطريف أن نشير إلى أن النقد الحديث - والمعاصر طبعاً - بعكس النقد العربي القديم، على هذا المستوى.

فبينما كان هذا النقد مدافعاً عن عمود الشعر، والأصول الجمالية المتوارثة، وحذراً من أي تجديد، يمكن أن يأتي به شاعر، حتى فيما يخص الصورة الفنية والمعاني الشعرية؛ فإن النقد العربي الحديث راح يضيق ذرعاً بما هو تقليدي ونمطي، في الشعر، مثلما راح يدعو إلى ضرورة التفرد والتميز، لاعلى صعيد موقع التحديث من التراث الشعري فحسب. بل على صعيد الشعراء المعاصرين فيما بينهم أيضاً.

ولعل تقويم هذا النص أو ذاك بالتقليدية والنمطية يكون من أكثر التقويمات التي يستخدمها النقد الحديث والمعاصر سلبية.

إن قضية التحديث، إذاً، هي قضية النقد، بقدر ماهي قضية الشعر الحداثي. ولهذا لاغرابة في أن يتأثر كل منهما بالآخر، من حيث التعمق والبلورة؛ ولاغرابة أيضاً في أن تتعدد المقاربات النقدية حول الحداثة ومسوغاتها وأسباب نشوئها ومستوياتها وتياراتها. بحيث إن التعرض لكل ذلك يقتضي بحثاً مطولاً قائماً بذاته.

وهو ما لا يستطيع هذا المبحث أن يقوم به، بشكل مسهب. ولهذا، لم يكن بدُّ من الإيجاز الذي لايخلّ بموضوعه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال