حال الكويت في القرن التاسع عشر.. الخضوع لسيادة الحكومة العثمانية ودفع الضرائب لها وإمداد الجيش العثماني بالرجال



ظل حال قرية الكويت لا يكاد يسمع بها أحد خارج ضواحيها وعند غير سكانها والمحيطين بها من بدو وأعراب حتى أول القرن العشرين. فقد مر بالكويت مثلاً سنة 1831 الرحالة "ستوكويلر" (Stoequeler) وكتب مقدراً بأنها بأربعة آلاف نسمة وأن طولها ميل وعرضها ربع ميل، وأنه وحتى ذلك الوقت فإن اسمها كان يختلط باسم "القرين".

كما أن الملاحظ أن المؤرخين خلال بحثهم لم يعثروا على أسماء لأدباء أو شعراء أو رجال علـم، كذلك كان الحال بالنسبة للنواحي الصحية والتعليمية والحضارية، كالمدارس والمستشفيات والأطباء، وكالبريد والبرق والهاتف.

فجميع الكتب التي أتيح لي فرصة الإطلاع عليها، لم تشر إلى أي من تلك المعالم الحضارية، بل أن بعضها لم يكن تحقيقه إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.

ومع هذا فلنستمع إلى أحد محبي المجاملة المتأثرين بعطف حكام الكويت الحاليين وهو الأستاذ قدري قلعجي، الصفحة 9من كتاب "الكويت بأقلام نخبة من كتاب العرب" (دار الكاتب العربي - بيروت، بدون تاريخ)، حين يكتب ليصف لنا تلك الحقبة من الزمن فيقول:
"وحين تناثر الشرق العربي ما بين الإمبراطوريتين الكبيرتين العثمانية والفارسية التي بسطت نفوذها على أرض العراق، وخف شريف مكة مسلّماً مقاليد البيت الحرام إلى الإمبراطور العثماني سليم الأول(1)، ظلت منطقة الخليج العربي وفيها رقعة الأرض التي تقوم عليها كاظمة الأمس فكويت اليوم(2)، محافظة على سيادتها مستقلة بذاتها تتمتع بأرفع شكل من أشكال الحكم المعهودة يومذاك.. وإذا ما غزتها الجيوش الأجنبية من برتغالية أو هولندية(3) وإذا ما حدد لها الناب الفرنسيون أو الإنكليز أو الأتراك، فاغتصب هؤلاء أو أولئك موطئ قدم لهم في تلك الأرض، كانت القوى الوطنية والجيوش الأهلية (هكذا في الأصل)، ما تلبث أن تدحرها مخرجة إياها من الأرض التي اغتصبت(4).

والحصن الذي بنت، لتعود راية الحرية خفوقاً في العلاء، وعلم الوطنية خطوراً في السماء، ولتعود تربة هذا الوطن منبتاً للرمح المسدد وملعباً للحسام المهند.."!

إن المؤرخين لم يجدوا أحداثاً بارزة كي يحدثونا عنها، وكل ما رووه كان من الأمور الاعتيادية في مثل تلك النواحي حين تقوم القبائل والعشائر بغزو الواحدة منها الأخرى للسلب والنهب أو للثأر. وكان هذا الغزو يحدث أحياناً لحساب الغير أو تنفيذاً لتعليمات الدولة العثمانية.

ذلك أن الكويت وغيرها من تلك الأنحاء، كانت كما ذكرنا، تتبع الحكومة العثمانية وواقعة تحت سيادتها.
وقد جرت عادة العثمانيين حيث كانوا، في إمبراطوريتهم الآسيوية أو الأوروبية أو الإفريقية، على عدم التدخل في شؤون الناس اليومية مكتفين بإعلان ولائهم ودفعهم للضريبة، واستعدادهم لإمداد الجيش العثماني بالرجال عندما تقوم أسباب تتطلب ذلك.

ولم تكن لتعتدي على الكيان السياسي بالدليل إبقائها على زعماء القبائل وحكام الإمارات.
كان هذا سلوك العثمانيين خاصة في أطراف إمبراطوريتهم حيث الصحراء والبادية وقلة الثراء وانتفاء دواعي الاهتمام(5).

(1) يقصد الفترة التي كان فيها الحكم العثماني قد بلغ أوجه وذلك في القرن السادس عشر، وكان يهدد العالم كله ويخضع له أكثر من خمسين أمة وشعباً، ويكتب سلاطينه إلى ملوك أوروبا رداً على رسائلهم قائلين "وصل كتابكم أعتاب ديواننا.." الخ.

(2) كاظمة هي الموقع الذي جرت فيه معركة (ذات السلاسل) سنة 633م، أول معركة بين الفرس والعرب وتقع قرب موقع الجهراء الآن. وهي غير الكويت والتي تبعد عنها نحواً من ثلاثين كيلو متراً. ويؤكد ذلك الأستاذ عبد العزيز حسين وزير الدولة الكويتي حين يقول "ولم يذكر التاريخ العربي قيام مدن ذات شأن في أرض الكويت الحالية قبل نشأة مدينة الكويت ذاتها" صفحة 21 من كتاب "المجتمع العربي بالكويت" - معهد الدراسات العربية العالية - سنة 1960.

(3) لم تشر أي من الكتب التاريخية إلى قيام جيوش برتغالية أو هولندية بغزو الكويت، ولا بد أن ذلك يعود إلى أن الكويت لم تكن موجودة بعد في فترة الصراع الهولندي البرتغالي على منطقة الخليج في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

(4) لم يعرف عن الفرنسيين الاهتمام الجدي بالكويت إلى حد التفكير بالاستيلاء عليها، أما علاقة الكويت بتركيا فإنها انعكاس لواقع الحال في تلك الأيام حين نرى رجال العشائر والبدو يضعون أنفسهم تحت حماية الدولة العثمانية تأميناً لأنفسهم وتسلحاً بنفوذها وخوفاً من غزو الآخرين لهم، وتمشياً مع شعور المواطنين وعواطفهم الدينية. أما بريطانيا فسنرى كيف أن شيخ الكويت هو الذي رأى أن يطلب منها القيام بحمايته بمعاهدة سرية، وهو ما سيأتي بيانه وأسبابه.. وبالفعل فقد نزلت قوات أجنبية في أرض الكويت عدة مرات، ولكن الملاحظ أنها كانت دائماً إنكليزية، وإلى أن نزولها كان دائماً بناءً على طلب شيوخ الكويت ورغبتهم، وعلى هذا كان خروج تلك القوات من الكويت يتم بمجرد الاتفاق مع هؤلاء الشيوخ وبدون اللجوء إلى المعارك والحروب وما يلزمها من "القوى الوطنية والجيوش الأهلية".

(5) في الكتاب الرسمي الذي أصدرته حكومة الكويت تحت اسم "حقيقة الأزمة يين الكويت والعراق" سنة 1961 جاء فيه قولها "وقد كانت الكويت إلى عهد قريب بلداً صحراوياً صغيراً فقيراً محروماً من أسباب الرفاه والحضارة وفي مقدمتها الماء، وأن هذه العوامل التي كانت مبعث شقاء هذه البقعة من الأرض وشقاء أهلها دهراً طويلاً، كانت في الوقت نفسه سبباً لجعلها بعيدة عن مطمح الأنظار سواء بالنسبة للدولة العثمانية التي امتد نفوذها إلى معظم الأقطار العربية، أو بالنسبة إلى البعثات الاستعمارية الأوروبية التي كانت تؤم الخليج بحثاً عن مراكز لها وقواعد لسفنها".


المواضيع الأكثر قراءة