العلاقات البريطانية الكويتية سياسيا.. تنقّل الوكالة التجارية البريطانية ما بين البصرة والكويت وتعيين وكيل نيابي بريطاني



إن الاهتمام التجاري البريطاني في الخليج قد امتد إلى الكويت نتيجة لتأزم الوضع في البصرة سنة 1775، مما أدى إلى تنقّل الوكالة التجارية البريطانية ما بين البصرة والكويت.

لكن الاهتمام السياسي البريطاني في الخليج جاء بعد ذلك على أثر صعود نجم الوهابيين في الجزيرة العربية حين هزموا بني خالد وأصبحوا مسيطرين على شرق الجزيرة بما فيها البحرين ومسقط وما يعرف الآن باسم "الإمارات المتصالحة - الإمارات العربية المتحدة فيما بعد-".

ثم لم يلبث الوهابيون أن اتجهوا غرباً واحتلوا الحجاز، ودفع لهم شريف مكة الزكاة.
وقد فعل الوهابيون ذلك منتهزين انشغال فارس في مشاكلها الداخلية، وتركيا في حروبها مع روسيا ثم فرنسا التي احتلت مصر.

وعلى هذا فقد بات خطرهم كبيراً حتى على العراق، مما دفع استانبول إلى الاستنجاد بمحمد علي باشا والي مصر، الذي أرسل ابنه طوسون باشا إلى الحجاز للاستيلاء على مكة سنة 1811 والوصول إلى عاصمة الوهابيين في نجد "الدرعية" واحتلالها ثم تدميرها سنة 1818.

وقد سبق ذلك أن شعر البريطانيون بخطر احتلال فرنسا لمصر سنة 1798 وما شكّله ذلك من خطر على طريق الهند وتجارتها مع الخليج.

حيث أسهمت في إخراج فرنسا من مصر، مما أضعف النفوذ الفرنسي في المحيط الهندي وبحر العرب.

وقد عمدت بريطانيا إلى تدعيم نفوذها بأن عقدت معاهدة مع مسقط وعمان، ثم مع غيرها من المشيخات المتصالحة وأهمها "رأس الخيمة"، التي كانت تتعرض سفنها للقوافل التجارية البريطانية(1).
مما دعا بريطانيا إلى الاستعانة ضدها بقطع من الاسطول البريطاني لوضع حد لأعمال القرصنة تلك.

وكان دافع بريطانيا إلى عقد تلك المعاهدة مع مسقط هو الاهتمام الذي أبداه الفرنسيون بها، وهو ما اتّضح من رسالة بعث بها نابليون إلى إمام مسقط "سلطان بن أحمد" سنة 1799، يعلن له فيها صداقته ويكلفه نقل رسالة منه إلى ملك "ميسور" في الهند "تيبو صاحب" الذي كان يحارب الإنكليز هناك.

وقد حدث أن وقعت تلك الرسالة بيد الوكيل البريطاني في اليمن فأوقفها.
ويبدو أن نابليون لم يكن يعرف أن الإنكليز كانوا قد سبقوه بعام واحد إلى عقد أول معاهدة مع حاكم عربي في الخليج وهو سلطان - إمام مسقط بالذات، وقد جرى تثبيت لتلك المعاهدة بتعيين وكيل نيابي بريطاني فيها سنة 1800.

هذا وقد كانت تلك المعاهدة نموذجاً للمعاهدات الأخرى التي عقدتها بريطانيا فيما بعد مع شيوخ المنطقة(2).

وكانت المعاهدة التالية مع "القواسم" شيوخ "رأس الخيمة" سنة 1806، الذين كما ذكرنا كانوا من أخطر القراصنة في الخليج.
وبالرغم من توقيع تلك المعاهدة، فإن الأسطول البريطاني قام بعد ذلك بعامين بالقضاء عليهم.

هذا وقد لاحظ لوريمر (Lorimer، سياسي ومؤرخ بريطاني كلف رسمياً بكتابة تاريخ الخليج)، أن الكويت لم تكن من يين تلك المشيخات التي وقعت مثل تلك المعاهدات التي فرضت على جميع شيوخ المنطقة الذين كانت تثبت مشاركتهم في أعمال القرصنة.

وقد عزا لوريمر ذلك إلى العلاقة الطيبة التي كانت تربط شيخ الكويت جابر بن عبد الله ببريطانيا "فقد كان يُنظر إليه على أنه صديق للحكومة البريطانية" (مجلدات الخليج الفارسي - طبعة بومباي 1915 الصفحة 1009).

وهي علاقة ولاء كانت أهم لدى بريطانيا من قضية القرصنة ذاتها، لأن الثابت أن السفن الكويتية كانت تساهم بها من خلال توزيعها للأسلاب التي كان القواسم يغنمونها، وذلك بعد أن يتم تخزينها في البحرين أولاً تمهيداً لإعادة بيعها بواسطة السفن الكويتية.

تركز اهتمام بريطانيا بالكويت في بدايات القرن التاسع عشر وكما يقول لوريمر، في كونها (رديفاً) للبصرة تستعمله كمركز لوكالتها التجارية كلما تأزمت علاقتها بالعثمانيين، حين كانت تنقلها إلى الكويت كمؤشر على توتر تلك العلاقة.

وقد حدث ذلك لمدة سنتين 1821 - 1822، حين تأزم الموقف بين والي بغداد داود باشا والمقيم البريطاني فيها مستر "رتش" (J.C.Rich).

وقد عادت تلك الوكالة إلى البصرة بعد تدخل حكومة الهند البريطانية مع الباشا وسوّت علاقته بالمقيم البريطاني.

وهذا يعزز ما ذهبنا إليه من أن العلاقة البريطانية الكويتية لم تكن مقصودة لذاتها، بل تحكمها علاقات بريطانيا بالجهات الأكبر والأكثر تأثيراً في المنطقة(3).

(1) كان "القواسم" شيوخ رأس الخيمة من غلاة الوهابيين أتباع مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذين كانوا يؤمنون بأن أخذ الغنائم فريضة دينية.

(2) كانت كلها معاهدات إذعان دون ريب، أي معاهدات غير متكافئة جرت العادة على تسميتها بمعاهدات (صداقة) بينما هي في الحقيقة معاهدات يين كبير جداً وصغيرجداً، بين قوي جداً وضعيف جداً.

وقياساً عليه فإن أهم بنودها كان ما عرف باسم "العزل" أو "الخصوصية" والأولوية في التعامل: عدم الاتصال بالدول المعادية لبريطانيا، إعطاء تجارتها الأفضلية، إنشاء وكالات تجارية، السماح للسفن بالتزود بالمؤن، وفي أغلب الأحيان الاحتفاظ بقاعدة أو نقطة أو محطة عسكرية، وأخيراً وجود مستشار بريطاني للحاكم.

وانطلاقاً من هذه الشروط، فقد كان من مصلحة بريطانيا أن يتمدد نفوذ هذا الحاكم وأن تتسع رقعة أرضه على حساب جيرانه، لأنه كلما حدث ذلك فإن النفوذ البريطاني يتمدد هو الآخر لتنسحب شروط تلك المعاهدة على هذه البقعة الجديدة أو تلك.

ومثال ذلك أن بريطانيا التي كانت لها وكالة تجارية في كل من بندر عباس والبحرين، اللتين كانتا تابعتين لسلطان مسقط، فإنها كانت تساعد هذا السلطان كلما تعرضت مصالحه هناك لأي خطر.

(3) لدينا على ذلك شواهد عدة، منها أن شيخ الكويت لما وجد أن الحملة العثمانية التي قادها علي باشا والي بغداد على الوهابيين سنة 1798، قد وصلت الإحساء مارة بالكويت، فإن شيخها انحاز إلى الباشا لأن الكويت باتت جزءً من المنطقة التي وقعت في يده بصورة واقعية.

ومثال آخر، أنه لما قام الصراع يين داود باشا والي بغداد، وخصمه علي رضا باشا سنة 1831، وانتهى لصالح رضا باشا، فإن داود باشا شرع في تحريض قبائل "المنتفق" جنوب العراق "بنو كعب" في المحمرة، تحريضهم على حصار البصرة.

وقد وجد شيخ الكويت جابر، أنه لا يستطيع الوقوف على الحياد خشية من قوة هذه القبائل وبطشها، فاشترك معها في الحصار. ولما انتصر رضا على المحاصرين، سير قواته لضرب المحمرة، وخشي شيخ الكويت أن يأتي الدور عليه، فبادر إلى مساعدة الباشا ضد حلفاء الأمس.

وقد تمكن رضا باشا من دخول المحمرة وقام بتدميرها وإعلان تبعيتها للبصرة. ورأى الباشا أن تكافئ الدولة العثمانية شيخ الكويت، فاقترح عليها منحه مائة وخمسين (كارة) تمر سنويا، وذلك تقديراً لظروفه المالية الصعبة، خاصة بعد أن عرف أن موارد عيش هذا الشيخ تعتمد على هدايا أصدقائه من أعيان البصرة كآل الزهير وآل السعدون.


0 تعليقات:

إرسال تعليق