الإنكليز والحملة المصرية على الوهابيين.. رغبة مصر في السيطرة على الخليج تتعارض مع المصالح البريطانية



لعب الإنكليز دوراً في صد الحملة المصرية الثانية بقيادة خورشيد باشا قائد جيش محمد علي باشا والي مصر على الوهابين، وقد استفاد في سياق هذا الدور شيخ الكويت.

ذلك أن هذه الحملة تعدت في غاياتها ضرب الوهابيين إلى رغبة مصر في السيطرة على الخليج ذاته، وهو ما يتعارض مع المصالح البريطانية هناك.

فقد كلفت بريطانيا سنة 1839، من خلال المقيم الإنجليزي في الخليج الكابتن "هنل" (Hennell)، شيخ الكويت "جابر" في حمل رسالة منه إلى خورشيد باشا يطلب منه فيها التوقف حيث هو في الإحساء والبحرين.

فقد خشيت بريطانيا بعد أن وجدت الباشا يعلن السيادة على البحرين التي تربطها ببريطانيا معاهدة حماية، خشيت أن ينتقل ليعلن هذه السيادة على المشيخات الأخرى.

وقد سر شيخ الكويت لهذا التكليف، لأنه يحمل ضمنا معنى أن الحكومة البريطانية تفرض حمايتها المبطنة على مشيخته حين تمنع خورشيد باشا من الاتجاه أكثر نحو الشرق.

مع أنه كان يستفيد مادياً من وجود خورشيد باشا حول الكويت، حيث كان يتخذ من مشيخته مركزاً نشطاً في تموين الجيش المصري.

وكان الإنكليز على إطلاع تام على هذا السلوك لشيخ الكويت، إلا أنهم قدروا ظروفه، خاصة وأن خورشيد باشا قد أرسل مندوباً عنه وهو الملازم محمد رفعت، الذي أقام لدى مجلس الشيخ يراقب تصرفاته.

وكان كل من الإنجليز والشيخ، يخشيان أن يكلف خورشيد باشا مندوبه بأن يطلب من الشيخ قبوله بإعلان سيادة محمد علي باشا على الكويت أسوة بما فعله مع البحرين حين ضغط مندوب القائد خورشيد باشا على شيخها عبد الله آل خليفة لإعلان سيادة محمد علي باشا عليها وقبل الشيخ بذلك رغم تحذير كابتن هنل له(1).

هذا وقد تفهم الإنجليز موقف شيخ الكويت المتذبذب.. فعندما قام الكابتن "هنل" بالمرور بسفينته الحربية على مشايخ الشارقة وأم القيوين ودي وأبو ظبي والبريمي، لإلزامهم بالتوقيع على تعهد بعدم التعاون مع الحملة المصرية، وأن يعلنوا عدم مقابلتهم لأي مبعوث لقائدها خورشيد باشا، فإنه قدر موقف شيخ الكويت الحرج عندما وجده يتهرب من مقابلة مندوبه الملازم "ادموندز" (Edmunds)..

فقد حدث عندما رست سفينته الحربية في ميناء الكويت، أن أطلقت مدافعها، وكالعادة، تحية لشيخها.
ولكن التحية لم يرد عليها بالمثل. ما اضطر ادموندز لإرسال رسالة خطية للشيخ، فلم يرد عليها خطياً خشية أن تؤخذ عليه كدليل مادي، بل إنه اكتفى بنقل رد شفوي بعد تأخر متعمد.

وأضاف بأن منع أي فرد من أقاربه أو مواطنيه من زيارة السفينة.
وهنا أصر ادموندز على مقابلة الشيخ، فأذن له، ولكن بعد أن جعله ينتظر ثلاثة أيام إمعاناً منه في إظهار عدم اهتمامه بالتعاون مع الإنكليز.

وعندما تمت المقابلة، عمد الشيخ إلى جعلها مقابلة عامة، بأن أوعز إلى عدد كبير من الأشخاص بحضورها، كما أنه لم يقم من على كرسيه تماماً للترحيب بالزائر كما جرت العادة..

وقد قدر "هنل" هذا الموقف من قبل الشيخ، وأعطى تفسيراً لحكومة الهند بأن الشيخ فعل ذلك بسبب وجود المندوب المصري محمد رفعت يومياً في مجلس الشيخ(2).

بعد حوالي ثلاثين عاماً على هذه الحادثة، كان للإنكليز مع الكويت حكاية أخرى، تأتي في سياق أحداث أكبر من الكويت.

وخلاصة ذلك أنه بعد انتهاء الحملة المصرية على الجزيرة العربية، عاد الوهابيون إلى السيطرة على المنطقة، وتولى زعامتهم فيصل بن تركي.

ولما توفي سنة 1865 جاء بعده ابنه عبد الله، الذي تصالح مع العثمانيين وأعلن ولاءه لهم.
وكدليل على رضا الدولة العثمانية عنه، فقد منحته لقب - رتبة قائمقام -. إلا أن أخاه سعود نازعه الحكم وتغلب عليه، ففر شمالاً إلى مدينة "حائل" مركز آل الرشيد خصوم السعوديين التقليديين.

وأرسل مستنجداً بوالي بغداد مدحت باشا، الذي وجدها فرصة لإعادة النفوذ العثماني الفعلي على نجد والإحساء.
وهنا برز الإنكليز الذين خشوا أن يصل هذا النفوذ إلى المشيخات المطلة على الخليج والتي تربطها ببريطانيا معاهدات حماية، خاصة وأنه كان من جملة القوه التي استعان بها مدحت باشا في حملته، قوة بحرية كان لا بد لها من أن تتعامل مع هذه المشيخات ذات المواني البحرية، وهو ما قد يغري شيوخها بالوقوف إلى جانب تلك الحملة واللجوء إلى العمل البحري الذي حرّمته بريطانيا عليهم.

وبالفعل فقد كان التصور الإنكليزي قريباً من الواقع، فعندما تحركت السفن العثمانية سنة 1871، لنقل الجنود في البحر نحو الجنوب حيث مرفأ رأس تنورة، وكذلك الفرسان في البر، فقد جرى تجميعهم في الكويت، التي لم يكن من خيار لشيخها عبد الله الصباح إلا في الانضمام إليها خاصة وقد وجد أهل الكويت يتطوعون لخدمتها.

وقد نجحت الحملة، وتمكنت من عزل كل من الأخوين عبد الله وسعود، وعينت برّاك أحد شيوخ بني خالد أعداء السعوديين القدماء حاكماً على نجد والإحساء، وانسحبت بعد ذلك القوة العثمانية من المنطقة.
ولم تشأ بريطانيا أن تعاقب شيخ الكويت، معللة ذلك بأنه غير مرتبط بمعاهدة معها كغيره من شيوخ الخليج(3).

هذا وقد ترتب على هذه الحملة والمشاركة الكويتية بها، أن منح مدحت باشا الشيخ عبد الله بن صباح شيخ الكويت رتبة قائمقام وأسمى الكويت "قضاء"، وهي تسمية تطلق على النواحي النائية، ويكون مديرها تابعاً لأحد السناجق، والذي بدوره يتبع أحد المتصرفين، وهذا يتبع أحد الولاة.

وقد أعفى مدحت باشا الكويت من الرسوم الأميرية والخدمة العسكرية بسبب فقرها. وكان هذا إشعاراً من قبل تركيا وقبولاً من الشيخ بأنه تحت السيادة العثمانية(4).

(1)- يعلل بعضهم تصرف خورشيد باشا مع البحرين في طلبه السيادة عليها، وهو الأمر الذي لم يفعله مع الكويت، بأحد أمرين:

الأول أن البحرين كانت تدفع الزكاة لآل سعود الوهابيين، ولما كان محمد علي باشا قد قضى عليهم، فإنه اعتبر نفسه وارثاً لحكمهم، وبذلك طلب فرض السيادة على البحرين وأجيب إلى طلبه من قبل شيخها.

والثاني أن خورشيد باشا ربما اعتبر مجرد وجود مندوبه المشار إليه - محمد رفعت - لدى شيخ الكويت قبولاً من الشيخ لهذه السيادة، خاصة وأن شيخ الكويت كان يكرر دوماً استعداده لأن يكون في خدمة الباشا مدللاً على ذلك بتزويده للحملة المصرية بالمؤن اللازمة.

(2)- في قائمة للمصاريف أدرجها المقيم السياسي هنل وتاريخها 24/7/1841 عن قيمة الهدايا التي قدمها لشيوخ الخليج، جاء فيها أن هديته لنائب شيخ الكويت كانت 100 روبية. (من أجل توضيح القيمة الفعلية للروبية في ذلك الوقت، فإن ثمن الحصان العادي على سبيل المثال كان يساوي 300 روبية).

(3)- كانت بريطانيا قد أجرت تعديلاً وشروطاً إضافية على معاهداتها السابقة مع هؤلاء الشيوخ، وذلك حين ألزمتهم بالتوقيع على معاهدة معدلة سنة 1861 تنص على عدم دخول هذه المشيخات في أي حرب حتى ولو كان هناك اعتداء عليها وذلك اكتفاء بحماية بريطانيا لها.

هذا وقد أوعزت حكومة الهند إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج "بيللي" (Lewi Pelly) بأن يؤكد لهؤلاء الشيوخ تحذير الحكومة البريطانية لهم من التدخل أو الاتصال بالحملة العثمانية اكتفاءً بتعهداتها لهم.

(4)- حتى نجد وهي الأقدم عهداً في قيام مشيخات وإمارات شبه مستقلة بها، فإن "اتشيسون" مسؤول الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية، أشار في مذكرته إلى وزارة الخارجية في لندن في 3/5/1871، إلى أن الحكومة البريطانية لا تستطيع التدخل المباشر ضد حملة مدحت باشا باعتبار أن أهداف تلك الحملة بعيدة عن مشيخات الساحل التي تربطها ببريطانيا معاهدات. خاصة وأن الدولة العثمانية قد أكدت في مذكرتها المرسلة من "الباب العالي" إلى السفير البريطاني في استانبول "اليوت" (Eliot)، أن هدف الحملة هو معالجة شؤون نجد.

وقد جاء في تلك الرسالة: "بأن الدولة العثمانية دولة مستقلة لها الحق في معالجة شؤونها الداخلية وفق ما يتطلبه الأمر.. وبأن الأمام عبد الله (آل سعود) ليس حاكماً مستقلاً ولكنه قائم مقام عثماني يحكم باسم الدولة العثمانية..".