أدب الاستئذان للرفع من مستوى التعامل الاجتماعي والحفاظ على الخصوصيات الفردية



"أدب اجتماعي رفيع وهو واجب على الكبير والصغير، وله مكانة خاصة في التشريع الإسلامي حتى خصه الله تعالى بآيات مباركات كريمات" [1]
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (58) سورة النــور.
هَذِهِ الآيَةُ تَشْمَلُ آدَابَ الاسْتِئْذَانِ بَيْنَ الأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ (ص) والمُؤْمِنِينَ، بِأَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ خَدَمُهُمْ (الذين مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وَأَطْفَالُهُم الذينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُم فِي ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ.
- قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ إِذْ يَكُونُ النَّاسُ نِيَاماً فِي فُرشِهِمْ.
- وَوَقْتَ القَيْلُولَةِ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ،لأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَضَعُ ثِيَابَهُ وَيَكُونَ فِي تِلْكَ الحَالِ مَعْ أَهْلِهِ.
- وَوَقْتَ النَّوْمِ (بَعْدَ صَلاَةِ العِشَاءِ).
فَيُؤْمَرُ الخَدَمُ والأطْفَالُ بِأَلاَّ يَهْجُمُوا عَلَى أَهْلِ البَيْتِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ .وَقَالَ تَعَالَى إِنَّ هَذِهِ الأَوْقَاتِ هِيَ عَوْرَاتٌ للنَّاسِ. أمَّا فِي غَيْرِ هَذِهٍ الأَوْقَاتِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمْ إِذَا دَخَلثوا لأَنَّهُمْ فِي خِدْمَةِ البَيْتِ يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِنَّهُ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ آياتِهِ وَأَحْكَامَهُ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَا فِيهِ المَصْلَحَةُ، حَكِيمٌ فِيمَا يَشْرَعُ.[2]
إن الاستئذان يبدأ على مراحل:
قبل الاحتلام يستأذن في ثلاث أوقات قبل صلاة الفجر ووقت القيلولة وبعد صلاة العشاء ليلاً.
بيد أن الطفل إذا بلغ مرحلة الحلم والبلوغ، كان التوجيه القرآني بوجوب استئذانه دائماً قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (59) سورة النــور"
فَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ الذينَ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي العَوْرَاتِ الثَلاَثِ مَبْلَغَ الرِّجَالِ (الحُلُمَ)، وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَحْوَالِ الثَّلاثَةِ كَمَا يَسْتَأْذِنُ مَنْ سَبَقُوهُم فِي البُلُوغِ، مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ وأَقَارِبِهِ، وَكَمَا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ مَا ذَكَرَ غَايَةَ البيانِ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا فِيهِ سَعَادَتُكُم فِي دُنْيَاكُم وَآخِرَتِكُم، وَاللهُ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِ خَلْقِهِ، حَكِيِمٌ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَدَرِهِ.[3]
وللاستئذان آداب أخرى وهي مرتبة كما يلي:
(أ) أن يسلم ثم يستأذن:
"من يريد الاستئذان لا يواجه الباب بكليته إنما يقف على يمينه أو شماله، فإذا أذن له دخل وإلا انصرف دون انزعاج أو احتجاج"
عَنْ رِبْعِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ -ص- وَهُوَ فِى بَيْتٍ فَقَالَ أَلِجُ فَقَالَ النَّبِىُّ -ص- لِخَادِمِهِ « اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ قُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ». فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِىُّ -ص- فَدَخَلَ.[4]
(ب) أن يعلن عن اسمه أو صفته أو كنيته:
عَنْ أَبِى مُوسَى - ض- أَنَّ النَّبِىَّ - ص- دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِى بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ،فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ». فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ .[5]
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ (ص)، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا ؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَنَا أَنَا مَرَّتَيْنِ كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.[6]
(ج) أن يستأذن ثلاث مرات:
فعن بُسْرَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ بِعَصًا حَتَّى وَقَفَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلاَّ فَارْجِعْ؟ قَالَ أُبَيٌّ: وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْسِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي،فَرَجَعْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي جِئْتُهُ أَمْسِ، فَسَلَّمْتُ ثَلاَثًا، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلٍ، فَلَوِ اسْتَأْذَنْتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ ؟ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص)، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ أَوْ لَتَأْتِيَنِّي بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا، قَالَ: فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ هَذَا[7].
ويحسن أن يكون بين استئذان المرة الأولى والثانية انتظار مقدار أربع ركعات مظنّة أن يكون المستأذن عليه في صلاة أو في قضاء حاجة...
(د) أن لا يدق الباب بعنف:
ولاسيما إن كان رب المنزل أباه أو أستاذه أو ذا فضل.. وعَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ أَبْوَابَ النَّبِيِّ (ص) كَانَتْ تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ "[8]
  وكان السلف يقرعون أبواب أشياخهم بالأظافر. وهذا يدل على مبالغتهم في الاحترام والأدب. وهو حسن لمن قرُب محله من بابه، وأما من بعُد عن الباب فيقرع بحسب ما يحصل به المقصود. وأما إذا كان على الباب جرس كما جرى العرف اليوم. فيقرع المستأذن بقرعة خفيفة لطيفة لتدل على لطفه وكرم أخلاقه وحسن معاملته.
(هـ) أن يتحول عن الباب عند الاستئذان:
مظنة وقوف امرأة أجنبية أثناء فتح الباب، والاستئذان شرع من أجل النظر، وهذا ما أكده عليه الصلاة والسلام لأصحابه، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِى حُجَرِ النَّبِىِّ - ص- وَمَعَ النَّبِىِّ - ص- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ « لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» .[9]
وعنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ (ص)، يَقُولُ:لاَ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَلَكِنِ ائْتُوهَا مِنْ جَوَانِبِهَا، ثُمَّ سَلِّمُوا فَإِنْ أُذِنَ لَكُمْ فَادْخُلُوا، وَإِلا فَارْجِعُوا.[10]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -ص- إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ وَيَقُولُ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ». وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ.[11]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - ص- « لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ »[12]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: مَنِ اطَّلَعَ إِلَى دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَؤُوا عَيْنَهُ، فَلاَ دِيَةَ وَلاَ قِصَاصَ.[13]
(و) أن يرجع إذا قال له رب المنزل ارجع:
لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (28) سورة النــور.
وعلى المستأذن ألا يجد في ذلك حرجاً ولا غضاضة لامتثاله أمر الله سبحانه في الرجوع.
هذه أهم القواعد التي وضعها الإسلام في آداب الاستئذان،فما على المربين إلا أن يتقيدوا بها، ويعلّموها أولادهم، ليعتادوها في حياتهم الاجتماعية، وفي تعاملهم مع الناس"[14]
[1] - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 119
[2] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2731)
[3] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2732)
[4] - سنن أبي داود - المكنز - (5179 ) صحيح
[5] - صحيح البخارى- المكنز - (3695 ) -الحائط:البستان
[6] - صحيح ابن حبان - (13 / 125) (5808) صحيح
[7] - صحيح مسلم- المكنز - (5753 ) وِصحيح ابن حبان - (13 / 127)(5810)
[8] - شعب الإيمان - (3 / 109)(1437 ) صحيح لغيره
[9] - صحيح البخارى- المكنز - (6241) -المدرى:مشط له أسنان يسيرة
[10] - مسند البزار كاملا - (2 / 21)(3499) صحيح
[11] - سنن أبي داود - المكنز - (5188 ) صحيح
[12] - صحيح البخارى- المكنز - (6902 ) -خذف:رمى بالحصى
[13] - صحيح ابن حبان - (13 / 351) (6004) صحيح
[14] - انظر تربية الأولاد في الإسلام لعلوان