لماذا الكتابة عن الذات؟.. عملية السرد والكتابة عندما تكون متبادلة مع الآخرين يعني منح هؤلاء الفرصة لمعرفتنا من خلال ما ندركه نحن في ذواتنا

من خلال ما تعرضنا له باختصار عن مجالات تطبيق السيرة الذاتية استطعنا تحديد الكثير من الأسباب التي تجيب علي السؤال "لماذا نكتب سيرتنا الذاتية".

أما ألان فهيا نعمق النقاش حول الموضوع، أي حول المجال الذي  يعنينا بشكل  خاص وهو ليس المجال العلاجي ولا مجال البحث و إنما التعليمي التربوي.

وهنا من المفيد أن نلجأ  إلي التأمل الحر.
نسأل من يقوم بالقراءة  "بالنسبة لك في ماذا جدوى أن نكتب عن أنفسنا؟ أي أن نكتب قصتنا؟.

نجمع الإجابات  علي لوحه كبيرة. النتيجة أن أشياء ساحرة سوف تطفو علي السطح و من الممكن أن تكون مشحونة بالعواطف.

فعندما نوقظ الذاكرة تبدأ أوتار المشاعر والأحاسيس في اصدار ذبذباتها بسهولة. يصبح الإنسان ذا حساسية عالية.

لنرى معا بعض الإجابات الممكنة علي التساؤل المذكور أعلاه:
- سرد ما يحدث أو ما حدث في الماضي, كتابته على الورق هو بحد ذاته فعل يحرر النفس و يؤدي إلي التهدئة.
بالطبع لا يشكل هذا حلا للمشكلة و لكن هي طريقة " لعزل المشكلة " لرؤيتها خارج ألذات كما نري حياتنا الخاصة أو جزءا منها في "فلم" سينمائي.
هذا أحد الدوافع العميقة (لهذا فهو علاجي) لكتابة السيرة الذاتية. أن نحكي عن أنفسنا هو شيء يبعث على الراحة.

- تخصيص الوقت للذات والعناية بها، باختصار يعني: الرضا عن أنفسنا.

-  إمعان النظر في مشاعر وأحاسيس  عشناها في  الماضي لفهم دوافع بعض الاختيارات في حياتنا والتي قد لانعود إليها اليوم فدائما هناك تفسير واحد لهذه الاختيارات.

- اكتشاف تلك التفاصيل المنسية في ثنايا حياتنا الخاصة.
ويعني هذا أن نعرف أنفسنا أكثر، أن نحاول فهم مسارات معينة في حياتنا قد تبدو غير متماسكة أو غبر متوازنة أو دون شكل.
أن نبحث عن أجوبه لأسئلة قديمة.
و بناءا علي دلك فان السيرة الذاتية هي أداه دائمة لإعادة تكوين ألذات أي كان العمر الزمني.

- أن كتابة قصتنا أو فترات من حياتنا أو بعض أجزائها المبعثرة عن شخصيات عرفناها وعن لحظات عشناها تساعد علي نسج  خيوط مفقودة للحصول علي تفسيرات بقيت حتى تلك اللحظة مختفية.
هذه طريقة من طرق التحليل الذاتي تساعد, أينما تستدعي الحاجة, علي الوصول إلي إجابات شخصية أصلية لمشاكل خاصة لا يستطيع أحدا غير ذواتنا البحث عن حلول لها.

- إن القدرة علي طرح مشكلة, ربما تسبب لنا المعاناة, خارج إطار ألذات قد تكون طريقة لرؤية المشكلة من زوايا مختلفة. أحيانا تكون الكتابة بحد ذاتها كافية لجعلنا نري الأشياء بطرق مغايرة، قد يكون بسخرية أو بروح الدعابة أو بقدرة جديدة  علي جعلنا  نضحك من أنفسنا و نكون اقل جدية.

- إن البحث عن الذكريات يساعد في البحث عن الجمال.
من الممكن أن تكون هناك الكثير من الذكريات الجميلة المنسية في ثنايا منعطفات الحياة التي مررنا بها حيث تساعد تمارين الذاكرة علي التقاطها و بالتالي أن نبتسم أكثر.

- إن التذكر من اجل السرد هو بحث عن السعادة.
فعندما نعطي أنفسنا مجال للانفراد والصمت والتفرغ للذات فان ذلك بحد ذاته مصدر سعادة.

- إن عملية السرد و الكتابة عندما تكون متبادلة مع الآخرين يعني منح هؤلاء الفرصة لمعرفتنا من خلال ما ندركه نحن في ذواتنا.

- كنتيجة لما تقدم يحصل التبادل لتلك اللحظات الجميلة التي وجدناها من خلال التذكر.

- منح الآخرين فرضيات حلول. عند الإطلاع علي خبرات حياتية مكتوبة بضمير الشخص الأول يكون ذلك مصدرا مهما للتعلم لكل أولئك الذين يجدون أنفسهم في ظروف مشابهة (حالات العنف والمرض المزمن...الخ).

- سرد الذاكرة  يترك للأجيال اللاحقة  المعرفة بالجذور و بأنماط حياة في طريقها إلي الزوال. فالأب أو الجد عندما يترك للأبناء أو الاحفاد مذكرات حياته قبل أن يولد الأطفال  يعني انه ترك ثروة رائعة من المعرفة و العواطف الإنسانية.

- الكتابة عن الذات تساعد في اكتساب الثقة، تفتح أبواب خيارات الحياة المختلفة من خلال ما نستمع إليه من تداعيات خاصة في أعماق أنفسنا متجاوزين الخوف من حكم الآخرين علينا.

- إن تمارين الذاكرة هي تمارين استماع أيضا. الاستماع إلي ما بداخلنا و الذي يعمل بدوره علي تطوير قدراتنا في الاستماع للآخرين والي قصصهم وهذا يخلق حاله من الاتصال والمشاركة.

لو دخلنا في حاله من التأمل الحر جميعا فمن الاحتمال أن تصبح اللوحه من أمامنا مليئة بقائمة أطول مما ذكر أعلاه.

ولكنني اعتقد أن قائمة الدوافع وراء كتابة السيرة الذاتية التي سجلتها هنا هي أكثر من كافية لكي نفهم الجدوى من إيجاد الوقت اللازم للجلوس و البدء في الكتابة عن أنفسنا بضمير الشخص الأول.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال