الوظيفة النقدية: الميتامسرح نقد ممسرح.. نقد يتم بأدوات مسرحية يحقق الانسجام والتلاؤم بين ممارستين مختلفتين منصهرتين في قالب واحد هو العمل المسرحي



تميز دارسة أمريكية بين منظورين أساسيين تحكما في المقاربات التي تناولت موضوع الميتامسرح : منظور ميتافيزيقي مفتوح - يمثله أبيل - ينطلق من اعتبار الميتامسرح جزءا من ظاهرة أكبر سمتها هي بالميتاتمسرحMetatheatricality  تقوم على فكرة " العالم مسرح "، ومنظور سيكولوجي مغلق - يمثله كالدروود - يعتبر الميتامسرح عند شكسبير انعكاسا لنشأته كفنان، وللسيكولوجية المتحكمة في كتابته للدراما.
 إلا أن هذين المنظورين يغيبان بعدا أساسيا في المتيامسرح يتمثل - في نظر الباحثة - في الوظيفة النقدية المتمثلة في نقد الميتامسرح للمواضعات الدراماتورجية والمسرحية السائدة، حيث تقول: "لا ينسجم أي واحد من هذين التصورين - الميتافيزيقي المفتوح أو السيكولوجي المغلق - مع الوظيفة النقدية للميتادرامـا أي مـع دورها كمسرحية نقدية للمواضعات الدراماتورجية والمسرحية لزمنها".
 إن الميتامسرح، إذن، نقد ممسرح، أي نقد يتم بأدوات مسرحية. ولكونه كذلك فإنه يخلق طرقا جديدة لممارسة النقد وبالتالي لممارسة المسرح بشكل يتحقق معه الانسجام والتلاؤم بين ممارستين مختلفتين منصهرتين في قالب واحد هو العمل المسرحي.
 في هذا الإطار، يلاحظ أن الميتامسرح باعتباره نقدا ممسرحا، يتكيف مع موضوعه، حيث تتحول الإبداعات المسرحية المتضمنة لهذا البعد النقدي إلى " أعمال صراعية " أو "أدب مواجهة"، حسب تعبير جاك نيشي. وتندرج ضمن هذا الإطار أعمال مثل "الضفادع" لأرسطوفان، و" مرتجلة فرساي" لموليير، و" أوبرا  القروش الثلاثة " لبريشت. فهذه الأعمال تخلق تقابلا بين شكلين للممارسة المسرحية لكل منهما خصائصه الجمالية وأبعاده الأيديولوجية، وتحرص على جعل المتفرج طرفا في هذا الصراع، حيث تحفزه على اتخاذ موقف إزاء المسرح - الخصم. في هذا السياق " يصبح النقد مقاومة جماعية، موضوعية ومنحازة، على عكس النقد الاحترافي الذي يكون فرديا، ذاتيا وحياديا ".
يحرص النقد الممسرح بهذه الخصائص  على تقليص الإيهام بشكل كبير، وذلك حتى يتمكن المتفرج من اتخاذ المسافة اللازمة للفعل النقدي، لاسيما وأن النقد يتحول - في سياق المسرح - إلى " محاكمة حية " تجري مباشرة على مرأى ومسمع من المتفرج، ويصبح فيها صراع الأدلة بين مسرحين، وبالتالي بين منظورين جماليين وإيديولوجيين، جدالا حقيقيا وحربا كلامية لا يمكن للمتفرج أن يبقى محايدا إزاءها. ولعل ما يجعل الحياد مستبعدا هو أن النقد الممسرح لا يستهدف مسرحا معينا فحسب، بقدر ما يستهدف واقعا بكامله، بمواصفاته السياسية والإيديولوجية.
  إن خاصية الصراع والجدال التي تسكن الميتامسرح تجعله يتحول إلى " امتحان للحقيقة Epreuve de vérité " تتحول فيه القيم إلى معطيات تاريخية نسبية، وليس إلى جواهر مطلقة خالدة. من ثم، فإن الإطار الحقيقي للنقد الممسرح - من الناحية الفلسفية - هو النسبية والتاريخية. ذلك أن هذا الإطار هو الذي يسمح بفتح نقاش واسع وغير مشروط حول مدى صحة أو خطأ التمثيلات الإيديولوجية السائدة إزاء واقع معين، ويؤكد على التعالق الموجود بين البعد الأدبي للنقد الممسرح وبين أبعاده السياسية والإيديولوجية.
  انطلاقا من هذا المنظور الشمولي، يمكننا أن نفند الرأي الذي يعتبر النقد الممسرح عودة إلى الذات تعكس نوعا من " الإنكفاء النرجسي "، لنؤكد أن هذه العودة منفتحة على تاريخ الأشكال الدرامية باعتباره ترجمة لتاريخ القيم الاجتماعية والسياسية.