عندما نتأمل تاريخ نظرية المسرح، بدءا من أرسطو وصولا إلى آخر الشعريات الطليعية في القرن العشرين، نلاحظ أن ثمة توجهين كبيرين تحكما في مسار هذه النظرية: أولهما ذو منزع شمولي يحرص على بلورة منظورات كلية صالحة للتداول في أزمنة وأمكنة مختلفة، وقابلة للمحاكاة والتقليد كشعرية أرسطو مثلا. والثاني ذو منزع خصوصي ذاتي يحرص فيه صاحبه على خلق نظرية لحسابه الخاص تعكس تصوره للمسرح. وقد ساد هذا التصور، بالخصوص، خلال هذا القرن وإن كانت له جذور وإرهاصات في فترات سابقة. ويفسر جان جاك روبين هذه الظاهرة ب " مقولة البحث التي أصبحت - بفضل تطور العلوم - القوة الأساسية التي تجذب الفنانين ". إنها جاذبية تعكس روح العصر، ليس من الناحية العلمية فحسب، وإنما من الناحية الإيديولجية أيضا، حيث تراجع الإيمان بالقيم الجماعية والتوجهات الشمولية، وأصبح الإنسان يشعر أنه تحول إلى كيان منعزل لا تربطه بمحيطه إلا روابط واهية. من ثم، أصبح المبدع أكثر انزواء على إبداعه يحاول أن يصوغ من خلاله نظرية محايثة أو ضمنية يبلور فيها منظوره للمسرح وللواقع في آن واحد.
لقد شكل الميتامسرح قناة أساسية لهذا النوع من التنظير الملازم للإبداع، حيث تمكننا مطالعة نصوص مسرحية من استخلاص موقف المؤلف من العملية المسرحية باعتبارها سيرورة إنتاجية وتقبلية في آن واحد. في هذا الإطار نستطيع أن نستخرج من هذه النصوص منظور المؤلف إزاء مفهوم النص أو الممثل أو الإخراج أو التلقي، أو إزاء بعض القضايا الشائكة التي شغلت منظري المسرح - سواء كانوا فلاسفة أو علماء جمال أو مسرحيين - كالمحاكاة والواقعية والوظيفة الجمالية والتعليمية للمسرح وغيرها. ولعل هذا ما يجعلنا نرى أن هذا التنظير المحايث يتصل، مع ذلك، بالقضايا الفكرية والجمالية لكل عصر من العصور.
فإذا كان بريشت، مثلا، يؤكد في أعماله المسرحية على مقولة " التغريب Distanciation " باعتبارها مقولة تترجم منظوره المتميز إزاء علاقة المتلقي بالمسرح، فإن هذا التأكيد لا يجد معناه الحقيقي إلا في علاقته بمقولة أخرى هي" الاستيلاب " باعتبارها تعبيرا عن ظاهرة مرتبطة بالإنسان المعاصر وبمعاناته اليومية في عصر يصادر كل القيم الإنسانية.
يستخلص من هذا أن الميتامسرح هو الوجه الثاني لشعرية مسرحية قائمة داخل الإبداع تساهم في بلورة الأفكار المسرحية وتطويرها، لكنها ليست شعرية منغلقة على ذاتها مادامت لها امتدادات داخل النسق الأدبي العام للعصر الذي أفرزها.