غالبا ما اعتبرت الأشكال المفكر فيها Les Formes réfléchies، وضمنها الميتامسرح، أشكالا منقطعة الجذور والصلة بالواقع، حيث عد انكباب المبدع على قضايا إبداعه الخاصة بمثابة " انكفاء نرجسي". وقد اعتبر هذا الانكفاء - في نظر البعض - مؤشرا على أزمة الإبداع واختناقه، لا سيما وأن انشغال المبدع بهموم إبداعه وجعلها موضوعة مركزية فيه، يفسر بعجزه عن الإمساك بالواقع وعدم قدرته على تصويره.
إلا أن البعض الآخر يعتقد عكس ذلك. فباتريسيا ووو ترى أن الميتارواية مثلا، باعتبارها شكلا مفكرا فيه، " تشتغل فيه من خلال أشكلة Problematization مفهوم الواقع أكثر من تدميره "، كما أن ليندا هتشون تؤكد أن " الحكي الذي يبنين ذاته لا يدل على نقص في الحساسية أو في الانشغالات ذات الطابع الإنسانوي (أو الإنساني) لدى الروائي، كما أنه ليس علامة على أزمة، أو اختناق للخيال الأدبي سببه مجهود كبير جدا في التفكير النقدي [...] لو كان الوعي بالذات علامة على تفكك من هذا النوع، لكانت الرواية قد بدأت انحدارها منذ ولادتها ".
إن هذه الآراء التي تبلورت بشأن الميتارواية تنطبق بشكل مطلق على الميتامسرح. فالإجراءات التأملية التي يلجأ إليها لا توحي أبدا بانقطاع صلته بالواقع. على العكس من ذلك، فالمبدع المسرحي يعيش وضعا متميزا بالتجائه إلى الميتامسرح. ويتمثل ذلك في تدخله المباشر في متخيله وعرضه لمواقفه إزاء ذاته وإزاء العالم المحيط به، لاسيما وأنه يصبح في موقع المسرحي - الملحمي Dramaturge - rhapsode - بتعبيرسارازاك - الذي يختلف عن المؤلف التقليدي الذي يفضل الاختفاء وراء شخصياته والغياب عن أحداث عمله.
فالميتامسرح، إذن، بنية شكلية تترجم رؤية المبدع الخاصة إزاء واقعه. فمسرحة المسرح التي تعد قاعدته الأساسية، هي الوجه الآخر لمسرحة الواقع. ويلاحظ أن هذه المسرحة تتخذ - موضوعاتيا - أشكالا مختلفة منها : علاقة الكائن بالظاهر، أو اللعب بالحياة، أو الوهم بالحقيقة، كما هو الشأن لدى أسماء معروفة كتشيخوف وبيرانديلو وجينيه وغيرهم.
وإذا كان الميتامسرح يخلق المواجهة والصراع بين أشكال مسرحية، وبالتالي بين أنساق أدبية، فإنه، بموازاة ذلك، يخلق صراعا، بين منظورات إزاء الواقع تعكسها هذه الأنساق. فاشتغال الميتامسرح، مثلا، في إطار المحاكاة الساخرة أو في الكوميديا باعتباره مسرحا مضادا، يجعل منه ممارسة مسرحية مناهضة لشكل يعكس نسقا اجتماعيا بمواصفات وعلاقات محددة، ومؤسسة لمنظور إيديولوجي يقوم على تنسيب القيم وخلق التفاعل والدينامية فيها.
في هذا الإطار، يمكن القول - على سبيل المثال لا الحصر - أن الموقف الذي اتخذه بريشت إزاء الأوبرا كنوع يكرس الانسجام والإيهام، في مسرحيته " أوبرا القروش الثلاثة "، لا يمكن تفسيره إلا بالوظيفة الإيديولوجية التي تجعل من هذا النوع المسرحي وسيلة لإخفاء التناقض القائم في المجتمع. لذا، فلا عجب أن يكون العمل المسرحي البريشتي نموذجا للتعالق القائم بين الوظيفة الجمالية (قلب النسق الأدبي) والوظيفة الإيديولوجية (تدمير النسق الاجتماعي السائد) للميتامسرح.
التسميات
وظائف الميتامسرح