التجويف - حسب بافيس - هو "الإجراء الذي يرتكز على إدخال تطويق في العمل (التشكيلي، الأدبي أو المسرحي) يع-يد إنتاج بعض خصائصه أو تماثلاته البنيوية"، ونجده في الآداب والفنون على حد سواء، في الرواية والمسرح والتشكيل والسينما.
وهو ليس ممارسة طارئة على الأدب الحديث، لأن أصوله تعود - حسب لوسيان دلينباخ Lucien Dallenbach - إلى الأدب الباروكي الذي عرف في إطاره إحدى أخصب لحظاته، تلتها لحظات أخرى تمثلت بالخصوص في الرومانسية، الطبيعية، الرمزية ثم الرواية الجديدة.
ويعود الفضل في الاهتمام بالمظهر النصي للتجويف إلى النقد البنيوي الذي تتردد فيه صيغ مختلفة لمصطلح التجويف تتأرجح بين التركيب التجويفي، والبناء التجويفي، والبنية التجويفية.
يلاحظ، من الزاوية التاريخية، أن العمل الأدبي للعصر الباروكي كان يشكل عملا وخلقا لهذا العمل في آن واحد.
وفي الأدب الرومانسي، نعلم جيدا المكانة التي حظيت بها مقولة "التأملية Reflexivité" خصوصا عند الرومانسيين الألمان الذين استوحوها من فلسفتي كانط وفيخته اللتين تؤكدان على "فكر الفكر" وتدفعان الوعي بالذات كي يصبح موضوعا للتفكير.
لقد وجدت هذه المقولة صداها لدى الرومانسيين أيضا في ما يسميه فريديريك شليغل ب "شعر الشعر" أو "الشعر المتعالي".
وقد استعمل التجويف في الأدب الواقعي والطبيعي من أجل ضمان وضوح التواصل، والتعويض عن المنع الذي يعيشه المؤلف في التعبير عن آرائه ومواقفه في إبداعه باسمه الشخصي، لا سيما وأن منظري ذلك العصر يتفقون جميعا على الاعتقاد بأن التخييل، لكي يكون ذا مصداقية، ينبغي ألا يخضع لأي شخص؛ ويتجاوز المؤلف هذه الصعوبة بالتدخل من خلال الشخوص مما يسمح له بإسماع صوته مع احترام مطلب "الموضوعية" واللا ذاتية "المقدس".
أما في الأدب الرمزي، فإن التجويف يعد وسيلة لجعل العلاقات الموجودة او الغائبة بين الفن والحياة موضوعة أساسية.
إلا أن الحضور النسقي للتجويف في الإبداع، الخاضع لمنظور جمالي وفكري واع بذاته، هو ذلك الذي تسجله الرواية الجديدة ثم الرواية الجديدة الجديدة بعد ذلك، حيث يصبح إجراء لتقويض المنظور الكلاسيكي للحكي.
وهذا الحضور الإبداعي للتجويف يجد ما يدعمه - نظريا - في كتابات منظري الرواية الجديدة وعلى رأسهم جان ريكاردو Jean Ricardou.
هذا عن المسار الإبداعي للتجويف، اما بخصوص مساره النقدي، فإن الاعتقاد السائد هو ان أندري جيد هو الذي قدم وصفا لهذا الإجراء أول مرة. لكن جان ريكاردو يؤكد أن هذا الاعتقاد غير صحيح لأن هنالك دراسة لفكتور هيجو عن "ويليام شكسبير" يؤكد فيها أن كل مسرحيات هذا الرجل - باستثناء "ماكبث" و"روميو وجولييت" - تتميز بخاصية ملفتة للنظر، وهي كونها تتضمن "حدثا مضاعفا يعبر الدراما ويعكسها بشكل مصغر".إن هذه الخاصية تترجم - في نظره - طبيعة التفكير السائد خلال القرن السادس عشر، وهو التفكير الخاضع "للمرآوية".
وفي بداية العقد الأخير من القرن الماضي، أشار أندري جيد إلى إعجابه بالعمل الأدبي والفني الذي يتخذ ذاته موضوعا له، كما يستعرض بعض النماذج من التشكيل والمسرح التي تجسد ذلك ومنها المشهد الكوميدي في مسرحية "هاملت" لشكسبير.
ويلاحظ أن تصور أندري جيد للتجويف تتحكم فيه الصورة الشعارية Image Héraldique، حيث يتحقق البناء التجويفي عندما نجد داخل شعار ما شعارا ثانيا يعيد إنتاج الأول بشكل مصغر.
وتعد المساهمة النظرية لجان ريكاردو، والمتمثلة في صياغة بلاغة وشعرية متميزتين للتجويف، من أهم ما كتب في هذا الموضوع. تضاف إليه الدراسة الجادة للوسيان دلينباخ التي صاغت نمذجة بنيوية للتجويف في علاقته بالحكي، وذلك وفق منظور تحكمه استعارة المرآة Métaphore spéculaire، كما عملت على اختيار تمظهراته في أعمال روائية تندرج في إطار ما سمي بالرواية الجديدة (1957 - 1958) والرواية الجديدة الجديدة (1969 - 1973).
إن هذا الاهتمام بالتجويف الروائي لم يحجب عن الدارسين الاهتمام بعلاقته بفنون أخرى كالمسرح والسينما بالخصوص، حيث يؤكد ريكاردو أن "شكسبير أدخله في هاملت، باعتباره مشهدا كوميديا في حكاية مسرحية، وأدمجه روب كريي في"السنة الماضية في مارينباد "باعتباره مشهدا كوميديا في حكاية سينمائية".
كما أن كريستيان ميتز - أحد المهتمين بسيميائيات السينما - يتحدث عن التجويف في فيلم المخرج الإيطالي فليني "8 و1/2"، حيث يقول إن: "8 و1/2" ينتمي بـ "فيلمه داخل الفيلم" إلى نوع الأعمال الفنية المضاعفة، المتأملة لذاتها.
ولتحديد البنية الخاصة بهذا النوع من الأعمال اقترحت أحيانا عبارة "بناء تجويفي" المستعارة من علم الشعارات، التي تساعد، في الواقع، على تعيين هذا الهيكل الذي يسمح بكل الآثار المرآوية، بشكل جيد".
إن هذه الإشارات تؤكد، إذن، أن التجويف يشير، استعاريا، إلى المرآة، ويتجسد عبر حكي مصغر أو بنية داخل أخرى، ويتضمن خصائص فلسفية أبرزها خاصية التأملية.
التسميات
تجويف ميتامسرحي