للتجويف أهمية بالغة في إضاءة العمل الأدبي من الداخل لا يشبهها إلا تقابل مرايا متعددة داخل فضاء واحد.
ولا غرابة أن يكون، ثمة، تقارب بين التجويف والمرآة.
هذه الأخيرة - حسب جان بودريار - تنهي الفضاء، تفترض الجدار، تحيل على المركز.
لذا، كلما تعددت المرايا كلما كانت حميمية الغرفة أكثر روعة، وكلما كانت، بالمقابل، أكثر انزواء على نفسها.
فهذه الحميمية، إذن، وهذا الانكشاف الداخلي هو ما يتيحه التجويف للعمل الأدبي، حيث ندرك من خلاله كيف ينخرط المبدع في السيرورة الإنتاجية لعمله.
إنه يحقق نوعا من المرآوية المعممة داخل الإبداع. هذه المرآوية التي تتميز - في بعض السياقات الأدبية - ببلاغة خاصة حيث تقوم - حسب ريكاردو- على المقابلة Antithése المتمثلة في كون كل تجويف يعارض الاشتغال الشامل للنص الذي يتضمنه.
فإذا كان النص موحدا يقترح التعدد، وإذا كان مشتتا يقترح الوحدة.
ولعل أهمية هذا الدور البلاغي للتجويف تكمن في كونه يضمن للحكي نوعا من الضبط الذاتي.
وللتجويف دور آخر يتمثل في الكشف والإظهار.
لذا، يتحدث ريكاردو عن التجويف الكاشف الذي يشتغل في الحكي بثلاث طرق أساسية شبيهة بطرق اشتغال الحلم هي: التكرار، التكثيف والاستشراف.
ومعلوم أن الحلم يشكل السند أو القاعدة التقليدية للتجويف، كما يشكل مكونا رئيسيا في بعض مظاهر المضاعفة المسرحية.
وإذا كانت المرآوية في النص تشتغل بشكل تعارضي أو استكشافي، فإنها تستدعي - بالاعتماد على ما يسميه ريكاردو بالجدول الوظيفي Catalogue Fonctionnel للنص - الموضوعات الملائمة لها، وخصوصا منها تلك التي يحضر فيها "التشخيص".
ويبدو أن هذه الخاصية الموضوعاتية للتجويف تجد في المسرح، باعتباره فنا تشخيصيا، مجالا خصبا للاشتغال.
في إطار هذا المنظور الاستعاري المرآوي، يندرج تعريف دلينباخ للتجويف، حيث يقول: "التجويف هو كل مرآة داخلية تتأمل الحكي كله عن طريق المضاعفة العادية، المكررة أو المموّهة".
لذا، يسمي الحكي الذي يشتغل بهذا الإجراء التجويفي بالحكي المرآوي Le récit spéculaire.
ومادامت للحكي مستويات، فإن المرآوية - وبالتالي التأملية - تتميز وفق هذه المستويات، حيث يميز دلينباخ - مستوحيا لسانيات جاكبسون - بين: تأمل الملفوظ، تأمل التلفظ وتأمل السنن، وكل نوع يشتغل بكيفية خاصة.
إلا أن هذا التمييز لا ينفي التداخل الموجود بين هذه الأنواع من التأمل.
وبناء على هذه المستويات الثلاثة، يقوم دلينباخ بتصنيف لأنواع التجويف في الحكي هي:
1- التجويف التلفظي Enonciative:
ويأخذ في اعتباره علاقة الحكي بمنتجه ومتلقيه، وضمنه يتم الحديث عن التجويف المتعالي Transcendantale الذي ينصب على قصدية القول لدى الكاتب.
2- التجويف الميتانصي Métatextuelle:
وينصب على الطريقة التي يشتغل بها الحكي، أي على السنن الذي يخلقه العمل الإبداعي نفسه.
3- التجويف التخييلي Fictionnelle والنصي Textuelle:
وكلاهما مرتبط بالملفوظ، إلا أن الأول يضاعف الحكي في بعده المرجعي باعتباره حكاية مروية، في حين ينصب الثاني على التنظيم الحرفي للحكي باعتباره تنظيما دالا.
إن هذه النمذجة التي قدمها دلينباخ تترجم، بشكل جلي أن استعارة "المرآوية المعممة" تفي بالغرض عند الحديث عن التجويف، لأنها تبين أن الكشف الذاتي للحكي لا ينصب على جانب دون آخر.
وبالتالي، فلا نستغرب أن تكون الأعمال الأدبية القائمة على هذا الإجراء التجويفي، أعمالا تضمر روحا فلسفية تقوم على "التأملية" وعلى "الشفافية الذاتية".