التجويـف المسرحي.. النص المسرحي لا يحكي عن طريق السارد وإنما يحكي مباشرة عن طريق تتابع الأفعال الدرامية

سبقت الإشارة إلى بعض النماذج المسرحية التي أجمع كل من فيكتور هيجو وأندري جيد وجان ريكاردو، على كونها تجسيدا للتجويف، ولاسيما منها المشهد الكوميدي في مسرحية " هاملت " لشكسبير.
وهي إشارة تؤكد على إمكانية الحديث عن نوع من التجويف نسميه هنا التجويف المسرحي.

 وبالنظر إلى خاصية الحكي في النص المسرحي، يمكن القول إن مظاهر التجويف التي تحدث عنها دلينباخ بالنسبة للنص الروائي، قابلة للاستثمار في مجال المسرح، لكنها تتطلب تعاملا مرنا.

فالنص المسرحي لا يحكي عن طريق السارد، وإنما يحكي مباشرة عن طريق تتابع الأفعال الدرامية.
هذا بالإضافة إلى كون التلفظ في المسرح يكتسي خصوصية تجعل منه إجراء مركبا، أو بالأحرى تجعله تلفظا مضاعفا.

 ولعل أبرز مظهر للتجويف المسرحي هو المسرح داخل المسرح، حيث تؤكد إحدى الدراسات أنه "من بين كل التجويفات الأدبية، فإن المسرح داخل المسرح هو الذي أثار، بدون شك، جاذبية أكثر سواء لدى محترفي المسرح أو لدى المتخصصين في التفكير حول المسرح".

وإذا عدنا، بالفعل، إلى تاريخ المسرح، سنلاحظ أن جذوره تعود إلى المرحلة الباروكية وإلى بعض النماذج المسرحية لكل من كالدرون وشكسبير، كما سنلاحظ أنه بلغ أوجه مع المسرحي الإيطالي بيرانديلو الذي جعل منه إجراء جماليا يترجم رؤية فلسفية تقوم على مفهوم النسبية.

 وإذا عدنا إلى التفكير النظري حول المسرح، سنكتشف أن المسرح داخل المسرح استأثر باهتمام الدارسين من زاويتين:

- الأولى شعرية اعتبرته إجراء مرتبطا بالتمسرح مؤكدة على كونه يشكل تمسرحا مضاعفا Théâtralité Double.

وفي هذا الإطار، يندرج تصور آن أوبرسفيلد التي تقول إن وظيفته تكمن في كونه يقول:
"أ)- نحن في المسرح، والفضاء - المسرح داخل الفضاء الأكبر هو مكان عرض التمسرح.
ب)- ما يقدم لنا بواسطة القناة المنعكسة هو الحقيقة ".

- أما الزاوية الثانية، فتضيف إلى هذا البعد الشعري بعدا فلسفيا خصوصا وأنها تعتبره مظهرا ميتامسرحيا يجسد الشكل المثالي لما يسمى بالمسرح المفكر فيه أو التأملي Le Théâtre réfléchi، كما هو الشأن لدى مانفريد شميلنغ Manfred Schmeling الذي يعرفه بقوله: "إن المسرح داخل المسرح - في شكله المثالي - عنصر مدمج داخل درامامعينة، يتوفر على فضائه الركحي الخاص وعلى كرونولوجيته المتميزة، بشكل يتأسس معه تزامن فضائي وزمني للإطارين الركحي والدراماتورجي.
ويقدم المسرح داخل المسرح عناصر تكوينية متعددة تعيد إنتاج عناصر المجموع".

 وعليه، فإن المسرح داخل المسرح هو بنية حكائية ومشهدية مضاعفة مدمجة داخل بنية أكبر هي بنية المسرحية.
بعبارة أخرى، إن هذا الإجراء التجويفي يقوم على ثنائية أساسية تتمثل في وجود مسرحية دامجة وأخرى مدمجة.

ويمكن أن يكون هناك تطابق بين ممثلي المسرحيتين أو لا يكون، كما أنه قد يكون تطابقا كليا أو جزئيا.
ولكن الأهم هو أنه كيفما كان النمط أو الشكل الذي يتحقق عبره المسرح داخل المسرح، فإن سيرورته التجويفية تقوم على مبدأين أساسيين في التجويف الأدبي هما: المضاعفة والتأملية.

 علاوة على المسرح داخل المسرح، يمكن إيجاد "تنويعات من التجويفات المسرحية لا تعرض في المستوى الثاني شكلا فنيا، وإنما تعرض حلما - كما هو الشأن في مسرحية " الحياة حلم " لكالدرون - أي مضاعفة للواقع المسرحي بواسطة متوالية محلوم بها أو متخيلة".

وهذا الإجراء، بقدر ما يجسد مظهرا تمسرحيا، بقدر ما يعكس منظورا ميتافيزيقيا - كما هو الشأن لدى كالدرون - حيث يتم النظر إلى الحياة باعتبارها حلما.

وسواء اتخذ التجويف المسرحي شكل مسرحية مضاعفة أو متوالية متخيلة تجسد في شكل حلم، فإن ما ينبغي تسجيله هو أن هذه المظاهر الميتامسرحية هي التي تضفي على التجويف في النص المسرحي نوعا من الخصوصية، لاسيما وأنها تأخذ بعين الاعتبار إلى جانب البعد الحكائي، البعد الأكثر تعبيرا عن هذه الخصوصية وهو بعد التمسرح الذي يقوم على مضاعفة اللعب كوسيلة لخلق إطار خاص للتأمل الذاتي في المسرح.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال