إن الأولاد نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، يهبها -كغيرها من النعم - لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء، ولولا إرادته تعالى وجُودُه، لما رُزق ذلك أحد، فإن الأسباب لا تنشئ مسبباتها استقلالا.
قال تعالى: ((لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً، إنه عليم قدير)). [الشورى:49ـ50].
ولما كان الأولاد من نعم الله التي تسر الوالدين، بشر بهم رسلُ الله من الملائكة رسلَ الله من البشر، قال تعالى: ((ولقد جاءت رسلنا إبراهيم قالوا سلاماً، قال سلام، فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)). [هود:69ـ73].
وقال تعالى: (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً، قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون). [الحجر: 51ـ56].
واستغاث نبي الله زكريا عليه السلام، أن يرزقه من يرثه فبشره الله بغلام، كما قال تعالى: ((قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا، يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا، قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيا، قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا)). [مريم: 4ـ9].
تأمل كيف يتطلع عباد الله الصالحون من الأنبياء والرسل وأهلوهم إلى نعمة الأولاد، وكيف ينزل رسل الله من الملائكة بالتبشير بهم ويسمي الله بعضهم من عنده: ((اسمه يحيى)).
ومن هنا كان الاستبشار بالولد والتبشير به من السنن الإلهية، ولا زال الناس - إلا من فسدت فطرهم - يستبشرون بالأولاد ويسرون بهم،والتبشير إنما يكون بما يسر، فمن حق الولد أن يسر به أبواه وأسرته، فهو ضيف عزيز جدير بالاحتفاء والترحيب، وفرق بعيد بين ضيف يسر به ويحتفى به، وضيف يحس أهل الدار أنه ثقيل عليهم مكروه عندهم، يتمنون عدم نزوله بهم، فإذا نزل تمنوا رحيله عنهم.
ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واستثقلها، لأنه تعالى هو الذي وهبها، كما وهب الذكر، والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معاً، كما سبق في قوله سبحانه وتعالى: ((يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما)). [سبقت قريباً في هذا المطلب].
قال تعالى: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون)). [النحل: 58،59].
قال ابن القيم رحمه الله: "فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضا لمقته، أن يتسخط ما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل جبرا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن.
وقيل - وهو أحسن -:إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان، فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبا، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر، وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية في الذكر، وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث، وعرف الذكور؟ فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف، فإن التعريف تنويه، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم. ثم لما ذكر الصنفين معا، قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير. والله أعلم بما أراد من ذلك.
والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية، الذين ذمهم الله تعالى في قوله: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون)) [النحل 58،59]
وقال ((وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم)) [الزخرف 17 تحفة المودود في أحكام المولود صفحة:20 -21]
ومن دعاء عباد الرحمن الذين أثنى الله عليهم بعدة صفات: ((والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)) [الفرقان:74]. فإذا كان واهب الولد هو الله إنعاما على أبويه به، وإذا كان رسل الله في السماء يبشرون به رسله في الأرض فيفرحون ويستبشرون، وإذا كان عباد الله الصالحون يتطلعون إلى أن يهب الله لهم الأولاد والذرية ويدعون بذلك، وإذا كان لا يكتئب من بعض الأولاد - وهن الإناث - إلا أهل الجاهلية قديماً وحديثاً، فإن هذا كله يثبت انشراح الصدور وابتهاجها وسرورها، عند أولياء الله المؤمنين بما يهب لهم من الأولاد نعمة منه وتفضلا.
وعلى هذا فإن الولد الجديد يولد في أمن وطمأنينة، لأنه يقدم على أسرته وهم به مسرورون مستبشرون، فيعنَوْنَ به غاية العناية.
التسميات
رعاية الأبناء