الولايات المتحدة وترسيخ التوازن الاقتصادي الإمبريالي دون الاعتماد على الوسائل العسكرية والأيديولوجية بشكل دائم

لقد انتهت حركة المجتمع والاقتصاد، في الولايات المتحدة، إلى عدم المساواة، أو إلى التفاوت، ودون فاعلية، مما تسبب في قلب علاقة واشنطن مع العالم أجمع.

إذ أصبحت الولايات المتحدة مفرطة القوة (HYPERPUISSANCE) ومستقلة ذاتياً عن العالم أجمع، منذ عام (1945)، لكنها أضحت كالثقب الأسود، كما هو الحال في المجرة الكونية، بالنسبة للاقتصاد العالمي تمتص البضائع والسلع، ورؤوس الأموال، لكنها مع ذلك عاجزة عن أن تمد هذا العالم بخيراتها بما يعادل ما تمتصه، وصار عليها أن تحدد لها دوراً آخر، كمستهلك فقط، من أجل ضمان سيطرتها على العالم.

لكن ذلك الأمر، لم يعد سهلاً، ولم يعد بالإمكان اختيار الولايات المتحدة قوة هيمنة، من جديد، إلا في النواحي السياسية والعسكرية: وفي الوقت نفسه، عليها أن تفرض نفسها، باعتبارها دولة الكون بالكامل، حيث أصبح العنف الذي تمارسه دولياً، شرعياً... إذ أنها لم تعد تملك المصادر الضرورية، أو التي لا غنى عنها للعودة لوضعها السابق.

كما أضحى التبادل الحر، يحمل صعوبات النمو على المستوى الكوني، وكطابع للرفاه العالمي، ويعمل على أن نقيس الولايات المتحدة، ضمن آلية غريبة، على المدى القصير. إذ يعطي النقص في الطلب الذي يتراكم للولايات المتحدة، دور "المستهلك الضروري أو الثابت" بينما سمح تضخيم الأرباح والعوائد التي تغذي الولايات المتحدة بالأموال الجديدة اللازمة لتمويل الاستهلاك بزيادة التفاوت أو عدم المساواة.

لقد أضحى الموقع المنظم للولايات المتحدة، هشاً، فلم تعد جباية الضريبة تجري بطريقة منتظمة، يسهل التحكم فيها. بل طبقاً لآلية (ليبرالية) إرادية حاذقة، ومُتَقَلِّبة، ومعتمدة بشكل يتناسب مع مصالح الطبقة الحاكمة والمحيطة، أو المتسلطة ذات الأصول الأوربية واليابانية، بصورة خاصة، ويمكن توجيه اللوم إلى الوول ستريت (WALL STREET) -شارع المال والأعمال في نيويورك- وإلى البنوك الأمريكية العديدة، القادرة على النصب والاحتيال، والمُتَّهمَة بالعديد من الإفلاسات الصورية، والتي لا يشك بها، ولها زبائنها وعملاؤها، من الذين تبددت أموالهم أو الذين يطالبون بالتعويض عنها.

وقد تجلى النظام الرأسمالي، الذي لا يخضع لقواعد القانون والتنظيم، والذي تمثل الولايات المتحدة منه دور البطل، مع تناقض شرعي، إلى درجة أن كشفت مجلة الشؤون الخارجية (FOREIGN AFFAIRS)، عن التهديد الاستراتيجي الذي تظهره الاحتجاجات على العولمة في عددها الصادر بشهر كانون الثاني- شباط عام (2002). وتتعقد المشكلة بسبب عدم كفاية السلطات العسكرية الأمريكية المتسمة بالقهر أو الإجبار.

إذ لا تستطيع القوات المسلحة الجوية- البحرية (AERONAVAL) السيطرة المباشرة على المجالات الجغرافية، التي تنتج فيها البضائع واستخراج الأموال اللازمة للولايات المتحدة، بل يمكنها ممارسة دور القوة المطلقة، عن طريق التهديد بالقصف، من الناحية النظرية.

ويعتمد هذا في الوقت نفسه، على إرادة القوة الوحيدة، كونها القادرة على تحييد طيران الولايات المتحدة، جزئياً أو كلياً، بواسطة تكنولوجيا الصراع ضد الطيران: وهذه القوة هي روسيا، ما دامت موجودة تملك الولايات المتحدة القدرات المطلقة، التي تضمن لها تلبية ضروراتها الاقتصادية، عن طريق الهيمنة، على المدى الطويل، في وصفها الجديد، من الاعتماد على العالم.

إذن ستصبح الولايات المتحدة في حالة اعتماد اقتصادي، وعجز عسكري. وهناك عنصر ثالث، رئيس، يجب أن يضاف إلى هذا الجدول من النقصان، في الولايات المتحدة هو: تراجع الإحساس العام أو الشمولي، الذي يمنع الولايات المتحدة، من الإدراك الحسي-بالمساواتية بشكل منصف ومسؤول، عن هذا الكون، فالشمولية (UNIVERSALISME)، مصدر أساس لأية دولة، إذا كانت تبحث، عن الهيمنة وهي مجالات أرحب، لأمة متعددة الأعراق، وإمبراطورية.

وتوضح هذه العناصر التفسيرية أساس التناقض، لموقع الولايات المتحدة في العالم: فيجب على الولايات المتحدة أن ترسخ التوازن الاقتصادي الإمبريالي، دون الاعتماد على الوسائل العسكرية والأيديولوجية بشكل دائم، في الوقت نفسه، يجب علينا تدقيق الطريقة التي يظهر فيها هذا التناقض الرئيس، من أجل الفهم الجيد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة- ثم وصف المسار الذي أدّى إلى هذه الحالة، أو الوضع المعوج، نصف الإمبراطوري، نصف الليبرالي، ولا داعي لاستمرار القرار الذي يوصل إلى العقبة الحالية، على المدى الطويل.

فالخيار الإمبراطوري، حديث: وهو لا ينشأ أو يتولد عن إرادة قوية، بل إنه على العكس، يقدم للقادة الأمريكيين، حلولاً سهلة، لأنه نتاج الظروف: فقد أشعر انهيار النظام السوفياتي، الولايات المتحدة، بالوهم، بشكل قوي، وإلى الحكم بالهيمنة الشاملة، والمستقرة، في زمنين عام (1995) في حين كان عام (1990)، لحظة الاختيار.
موسى الزعبي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال