أَحكام ما بعدَ واوِ المعية والعامل في الْمفعول معَه



أَحكامُ ما بعدَ واوِ المعية:

للاسمِ الواقعِ بعد الواو أربعةُ أحكام: وجوبُ النّصبِ على المعيّةِ، ووجوبُ العطفِ، ورُجحانُ النصبِ، ورجحانُ العطف.
فيجب النصبُ على المعيّةِ (بمعنى أنه لا يجوزُ العطف) إذا لزمَ من العطف فسادٌ في المعنى، نحو: "سافرَ خليلٌ والليلَ. ورجعَ سعيدٌ والشمسَ" ومنه قولهُ تعالى: {فأجمِعُوا أمرَكم وشُرَكاءَكم}، وقولهُ: {والذين تَبَوَّؤُا الدارَ والإيمانَ}.

امتناع العطف:

وإنما امتنع العطف، لأنه يزلم منه عطف الليل على خليل، وعطف الشمس على سعيد، فيكونان مسنداً إليهما، لأن العطف على نية تكرير العامل، والمعطوف في حكم المعطوف عليه لفظاً ومعنى، كما لا يخفى، فيكون المعنى: "سافر خليل وسافر الليل، ورجع سعيد ورجعت الشمس" وهذا ظاهر الفساد.
ولو عطفتَ "شركاءكم"، في الآية الأولى، على "أمركم" لم يجز، لأنه يقال: "أجمع أمرَهُ وعلى أمره"، كما يقال: "عزمه وعزم عليه"، كلاهما بمعنى واحد. ولا يقال: "أجمع الشركاء أو عزم عليهم". بل يقال: "جمعهم". فلو عطفت كان المعنى: "اعزموا على أمركم واعزموا على شركائكم"... وذلك واضح البلطلان.

ولو عطفتَ الإيمانَ على الدار، في الآية الأخرى، لفسد المعنى،لأنّ الدار. أن تُتَبَوَّأ - أي تُسكن - فالإيمان لا يُتَبوأ. فما بعد الواو، في الآيتين، منصوب على أنه مفعول معه. فالواو واو المعية.
ويجوز أن تكون الواو في الآيتين، عاطفة وما بعدها مفعول به لفعل محذوف تقديره في الآية الأولى: "ادعوا واجمعوا" - فعل أمر من الجمع - وفي الثانية: "أخلصوا" - فعل ماض من الإخلاص - فيكون الكلام من عطف جملة على جملة، لا من عطف مفرد على مفرد.
ويجوز أن يكون شركاءَكم معطوفاً على (أمركم) على تضمين "أجمعوا" معنى "هيئوا". وأن يكون الإيمان معطوفاً على تضمين "تبوؤا" معنى "لزموا". والتضمين في العربية باب واسع.

وجوب العطف:

ويجبُ العطفُ (بمعنى أنه يمتنع النصبُ على المعيّة) إذا لم يَستكمل شروطَ نصبهِ الثلاثةَ المتقدمةَ.

مواضع ترجيع النصب على المعية:

ويرَجّحُ النصبُ على المعيّة، مَعَ جواز العطفِ، على ضَعفٍ، في موضعين:

1- أن يلزمَ من العطف ضعفٌ في التركيب:

كأن يلزمَ منه العطفُ على الضمير المُتّصلِ المرفوعِ البارز، أو المستتر، من غير فصلٍ بالضمير المنفصل، أو بفاصلٍ، أيِّ فاصلٍ، نحو: "جئتُ وخالداً. واذهبْ وسليماً". ويَضعُفُ أن يُقالَ: "جئتُ وخالدٌ. واذهبْ وسليم".
أي بعطف "خالد" على التاء في "جئت"، وعطف "سليم" على الضمير المستتر في "اذهب". والضعف إنما هو من جهة الصناعة النحوية الثابتة أصولها باستقراء كلام العرب. وذلك أن العرب لا تعطف على الضمير المرفوع المتصل البارز أو المستتر، إلا أن يفصل بينهما بفاصل ضميراً منفصلاً يؤكد به الضميرُ المتصل أو المستتر، نحو: "جئت أنا وخالد. واذهب أنت وسعيد".
أما العطفُ على الضمير المنصوب المتّصل، فجائزٌ بلا خلافٍ، نحو: "أَكرمتكَ وزُهيراً".

وأما العطفُ على الضمير المجرور، من غير إعادة الجارّ، فقد منعه جمهور النُّحاةِ، فلا يقالُ على رأيهم: "أحسنتُ إليك وأبيك"، بل: أحسنتُ إليك وأباكَ"، بالنصب على المعيّة. فإن أعدتَ الجار جازَ، نحو: "أحسنتُ إليك وإلى أبيك". والحقُّ أنه جائز. وعلى ذلك الكسائيُّ وابنُ مالكٍ وغيرُهما. وجعلوا منه قولهُ تعالى: {وكُفرٌ بهِ والمسجدِ الحرام} وقد قرئَ في السبعِ: {واتقوا اللهَ الذي تساءَلونَ بهِ والأرحامِ}، بجرّ "الأرحامِ" عطفاً على الهاء في "به"، قرأ ذلك حمزةُ، أحدُ القُرَّاءِ السبعة. لكنَّ الأكثرَ والأفصحَ إعادةُ الجارَ، إذا أُريد العطفُ. كما تقدّم.

2- أن تكونَ المعيّةُ مقصودةً من المتكلم:

فتَفوتُ بالعطف، نحو: "لا يَغُرَّكَ الغِنى والبَطَرَ. ولا يعجِبْكَ الأكل والشبَعَ. ولا تهوَ رغَدَ العيشِ والذُّلَّ"، فإن المعنى المراد، كما ترى، ليسَ النهيَ عن الأمرينِ. وإنما هو الأول مجتمعاً مع الآخر. ومنه قول الشاعر:
فَكونوا أَنتُمُ وبَنِي أَبيكمْ + مَكانَ الكِلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحالِ
فليس مراده: كونوا أنتم وليكن بنو أبيكم، وإنما يريد: كونوا أنتم مع بني أبيكم. فالنصب على المعية فيما تقدم راجح قوي، لتعيينه المعنى المراد، وفي العطف ضعف من جهة المعنى.

والمُحقّقُون يوجبون، في مثل ذلك النصبَ على المعيّة، ولا يُجوّزون العطف. وهو الحقُّ، لأنَّ العطفَ يفيدُ التشريكَ في الحكم. والتشريكُ هنا غير مقصود.
ويرَجْحُ العطفُ متى أمكنَ بغيرِ ضعفٍ من جهة التركيب، ولا من جهة المعنى، نحو: "سار الأميرُ والجيشُ. وسرتُ أنا وخالدٌ. وما أنتَ وسعيدٌ؟"، قال تعالى: {يا آدمُ اسكن أنتَ وزوجُكَ الجنة}.
ومتى ترجحَ العطفُ ضَعُفَ النصبُ على المعيّة، ومتى ترجحَ النصبُ على المعيّة ضعُفَ العطفُ.

خلاصة وتحقيق:

وخلاصة البحث: أن ما بعد الواو، تارة لا يصح تشريكه في حكم ما قبله، نحو: "سار علي والجبل" فيجب نصبه على المعية.
وتارة يصح تشريكه فيمنع من العطف مانع، نحو: "جئت وسعيداً"، فيترجح نصبه على المعية.
وتارة يجب تشريكه، نحو: "تصالح سعيد وخالد" فيجب العطف. وتارة يجوز تشريكه بلا مانع، نحو: "سافرت أنا وخليل"، فيختار فيه العطف على نصبه على المعية، وتارة لا يكون التشريك مقصوداً، وإنما يكون المقصود هو المعية، فيكون الكلام على نية الإعراض عن تشريك ما بعد الواو في حكم ما قبلها الى مجرّد معنى المصاحبة. فيرجح النصب على المعية على العطف، نحو: "لا تسافر أنت وخالدً"، إذا أردت نهيه عن السفر مع خالد، لا نهيه ونهيَ خالدٍ عن السفر.

وقد ذكرنا آنفاً بضعة أمثلة على ذلك. فان قصدت إلى نهيهما كليهما عن السفر، ترجح العطف. نحو: "لا تسافر أنت وخالد".
والنفس تواقة إلى إيجاب النصب على المعية فيما لم يُقصد به إلى التشريك في الحكم، والى ايجاب العطف فيما يُقصد به الى التشريك فيه، مراعاةً لجانب المعنى الذي يريده المتكلم.

ونرى أن اجازتهم العطف في الصورة الأولى، والنصب على المعية في الصورة الثانية (على ضعف فيهما) انما هي من حيث الصناعة اللفظية، بمعنى أنه لا يمنع من ذلك مانع من حيث القواعد النحوية. وأنت خبير بما في ذلك من التهويش على السامع والتلبيس عليه. فاحفظ هذا التحقيق واعمل به). 

العاملُ في الْمَفْعولِ مَعَهُ:

يَنصبُ المفعولَ معهُ ما تقدَّمَ عليه من فعلٍ أو اسمٍ يُشبهُ الفعلَ. فالفعلُ نحو: "سرتُ والليلَ"، والاسمُ الذي يُشبهُهُ، نحو: "انا ذاهبٌ وخالداً". "وحسبُكَ وسعيداً ما فعلتُما".
وقد يكونُ العاملُ مقدّراً، وذلكَ بعدَ "ما وكيفَ" الاستفهاميّتينِ، نحو: "ما أنتَ وخالداً. وما لك وسعيداً.
وكيفَ أنتَ والسفرَ غداً.
والتقدير: "ما تكون وخالداً؟ وما حاصل لكَ وسعيداً؟ وكيف تكونُ والسفرَ غداً".
واعلم أنه لا يجوزُ أن يتقدّمَ المفعولُ معهُ على عاملهِ، ولا على مُصاحبهِ، فلا يقال: "والجبلَ سارَ عليٌّ" ولا "سارَ والجبلَ عليٌّ".