العزل للصالح العام وفقه المرحلة في خلافة عمر بن الخطاب.. عزل خالد بن الوليد خشية من أن يفتن الناس بخالد وينسبوا الانتصارات المتكررة بقيادته إليه



لقد اشتهر خالد بن الوليد رضي الله عنه، قبل وبعد إسلامه بتخطيطه العسكري الفذ، وقدراته القتالية الفائقة وإدارته للحرب بحنكة ونجاح، لذا أطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لقب "سيف الله".

واعتمد عليه الخليفة الأول أبو بكر رضي اله عنه في إخماد أخطر فتنة كانت تهدد دولة الإسلام، وهي الردة وحروبها الشهيرة.

ثم استعمله في قيادة الفتوحات الإسلامية الأولى، في كل من العراق والشام، وقد حقق خالد بن الوليد رضي الله عنه انتصارات رائعة، ومهد الطريق لفتح الشام والقدس ومصر وشمال السودان. وظل في قيادة الجيش حتى وفاة الخليفة أبي بكر وبداية خلافة عمر رضي الله عنهما.

ولما تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب وأمر بعزل خالد من قيادة المجاهدين، وأوكل المهمة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وعلل ذلك بخشيته من أن يفتن الناس بخالد وينسبوا الانتصارات المتكررة بقيادته إليه- لعل هذا فقه اقتضته ضرورة المرحلة- وواصل القائد المعزول مجاهدته تحت إمرة جنديه السابق بكل استبسالٍ وإخلاص، ولم يعترض على الإجراء، ولم يلجأ ويسلم نفسه لأعداء عمر والإسلام، الذين كانوا على مرمى حجر من معسكره.

بل لما أراد المنافقون إثارة خالد رضي الله عنه وتحريضه وقالوا: لماذا يعزلك وأنت القائد المنتصر دائماً؟ فهل تسكت عنه؟ قال قولاً أخرس وسيخرس ألسنة الأفَاكين إلى الأبد، قال هذا الرجل المؤمن الفطن "أنا لا أجاهد من أجل عمر، وإنما أجاهد من أجل رب عمر"([1]).

أروع مثال لفهم الدعوة والسياسة الشرعية تحت مختلف الظروف وفي كل المنعطفات، فهَّلا وعى المسلمون الدرس ؟ وأدركوا كيد عدوهم الظاهر قبل كيد أعدائهم المندسين؟

ولما سمع عمر بمجاهدات خالد العظيمة تحت إمرة أبي عبيدة الذي كان أحد جنود خالد رضي الله عنهم " هتف من أعماق قلبه، أمرَّ خالد نفسه "([2])  نعم لقد أمّر خالد نفسه.

فهذا عزل للصالح العام، تراعى فيه مصالح المسلمين المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وذاك فهم عميق للتعامل مع قرارات ولاة الأمر، فلله درك يا خالد.
[1]- الهيئة العامة للمعاهد العلمية اليمنية، تاريخ الصف التاسع أساسي ، ص39.
[2]- محمود شيت خطاب، مرجع سابق، ص98.


المواضيع الأكثر قراءة