تعددت التساؤلات عن نظرية الذكاءات المتعددة وعن أسسها العلمية ومدى اختلاف ما تدعيه من تعدد الذكاءات مقارنةً بالآراء والأفكار التي سبقتها، والتي ذهب أصحابها إلى القول بوجود عدة ملكات أو قدرات عقلية أو فنية لدى الأفراد.. الخ، فما الذي يميز هذه النظرية الجديدة عن سابقتها؟
يرى جاردنر صاحب هذه النظرية أن ما يذهب إليه من وجود عدة ذكاءات يجد أسسه في ثقافة الشخص، وفي فيزيولوجيته العصبية.
فالذكاءات الثمانية التي تقول بها نظريته لها سند علمي في الأسس البيو ـ ثقافية للفرد، والتي هي بمثابة معايير للاستدلال على وجودها.
فليس يكفي انتشار ممارسات ثقافية لدى شخص ما، للتعبير عن وجود ذكاء معين لديه، وإنما لا بد من تحديدٍ موضعي للخلايا العصبية التي تشغلها تلك الممارسات في الدماغ، وهذا ما يميز نظريته عن الأفكار والآراء السابقة في الموضوع، والتي قالت بوجود ملكات أو قدرات متعددة، دون سند أو حجج علمية تجريبية.
إن نظرية الذكاءات المتعددة نتاج دراسات وأبحاث استغرقت حوالي ربع قرن من الزمن، تم خلالها تضافر جهود العديد من الباحثين ذوي اختصاصات متنوعة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
ولقد تمّ خلال تلك المدة مساءلة عدة ميادين بحثية لم يتم التفكير فيها من قبل، ولقد تمخّضت تلك الدراسات وأنجبت نظرية الذكاءات المتعددة، تلك النظرية التي ساندتها أيضاً النتائج العلمية في علم الأعصاب وعلم المعرفة (الأبستمولوجيا) وأمدتها بسند يذهب إلى القول بتعدد الوظائف الذهنية وتنظيم الفكر بحسب وظائفه المختلفة (فودور 1983 Fodor، كيل 1984 Keil، فيلدمان Feldman، سيسي 1990 Ceci).
وفيما يلي أهم الميادين التي شملها البحث في نظرية الذكاءات المتعددة والتي تشكل الدعامة العلمية لهذه النظرية:
1- النمو الذهني للأطفال العاديين، حيث تمّ البحث في المعارف المتوفرة حول نمو مختلف الكفاءات الذهنية لدى الأطفال العاديين.
2- دراسة الكيفية التي تعمل بها القدرات الذهنية خلال الإصابات الدماغية وحدوث تلف في بعضها، ما يؤدي إلى فقدان وظائف بعضها أو تلفه باستقلال عن غيرها.
3- دراسة تطور الجهاز العصبي، عبر الملايين من السنين، للوصول إلى بعض الأشكال المتميزة للذكاء.
4- دراسة الأطفال الموهوبين والأطفال الانطوائيين والأطفال الذين يظهرون صعوبات تعليمية، فهذه الفئات المتنوعة من الأطفال تقدم أشكالاً معينة من السلوك الذهني جد مختلف، ما يصعب معه فهمهم جميعاً في إطار المفهوم الموحد للذكاء.
5- دراسة أنواع النشاط الذهني لدى مختلف أنواع الحيوانات.
6- دراسة النشاط الذهني لدى مختلف الشعوب المتميزة بثقافات متنوعة.
من خلال جمع معطيات البحث في الميادين السابقة ومعالجة نتائجها، قاد الأمر جاردنر عام 1983 إلى القول بوجود سبعة ذكاءات متميزة، وذلك في كتابه: أطر الذهن: "Frames of mind"، وفيه يبين أنه ما من واحد من الناس إلا ولديه سبعة ذكاءات، وأن كل شكل من أشكال هذه الذكاءات يشغل حيزاً معيناً في دماغه.
وقد سبق العالم الفرنسي "بروكا" Pierre - Paul Broce عام 1861 إلى تأكيد وجود علاقة بين وقوع خلل أو تلف في منطقة معينة من الدماغ وفساد وظيفة ذهنية محددة، فالتلف الذي يصيب الجزء العلوي من اليسار للقشرة الدماغية يؤدي إلى فقدان القدرة اللغوية.
والمرضى الذين يصابون في النصف الأيسر من الدماغ قد يفقدون القدرة على الكلام، ولكنهم يظلون مع ذلك قادرين على غناء الأناشيد والأغاني، لأن نصف الدماغ الأيمن يظل سليماً لديهم، والمرضى المصابين في النصف الأيمن من الدماغ قد يستطيعون القراءة بطلاقة، ولكنهم يعجزون عن تفسير ما يقرأون.
ويبرز "جاردنر" سبب فشل المحاولات السابقة، الرامية إلى وجود ذكاءات مستقلة، أنه يعود إلى اعتمادها على خط واحد أو اثنين على الأكثر من الإثبات، كالاعتماد على ما تظهره المواد الدراسية من ملكات أو مجال الرياضة أو العلم.. الخ، أو الاعتماد على روائز المعامل العقلي، أما فيما يتعلق بنظريته، كما أشرنا من قبل، فقد دعمت ملفها بعدة حجج علمية، مستقاة من عدة مصادر بحثية، لم يسبق الربط بينهما من قبل.
التسميات
ذكاءات متعددة