بئر رومة في الشمال الغربي من المدينة المنورة قرب مجرى وادي العقيق.. قصة الايثار والتضحية للخليفة عثمان بن عفان

بئر رومة والمعروف ببئر سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، يمثل واحداً من تلك المواقف التاريخية الفريدة التي ارتبطت بقصة الايثار والتضحية للخليفة عثمان.
فقد كان في المدينة بئر ماء تسمى (رومة)، وكان صاحبها يبيع ماءها للمسلمين، وذات يوم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (من يشتري رومه فيجعلها للمسلمين، وله بها مشرب في الجنة؟. فاشترى عثمان ـ رضي الله عنه ـ نصف البئر فخيّره صاحب البئر بين أمرين: إما أن يكون لكل واحد منهما حق إستعمال البئر يوماً مستقلاً، أو أن يضع كل واحد منهما دلواً خاصاً على البئر.

فرأى عثمان ـ رضي الله عنه ـ أنه إذا اختار يوما مستقلاً فإن ذلك يكون أنفع للمسلمين فاختار يوماً.

فكان المسلمون يأخذون ما يكفيهم من الماء في يوم عثمان، فلما رأى صاحب البئر ذلك ذهب الى عثمان وقال له: أفسدت علي بئري فاشتر النصف الآخر فاشتراه عثمان ـ رضي الله عنه ـ ووهبه للمسلمين.

عن بشر بن بشير الأسلميّ، عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمُدّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تبيعها بعين في الجنة)، فقال: ليس لي يارسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة و ثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة إن اشتريتها؟ قال: (نعم)، قال: قد اشتريتها و جعلتها للمسلمين. أنظر: نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، الجزء الاول ص 72.

ويوجد هذا البئر بالعقيق الاصغر وهي داخل البستان أو المزرعة التابعة لمديرية الزراعة بحي الأزهري بسلطانة، قال إبن منده: رومة الغفاري صاحب بئر رومة وقد ردّ عليه الحافظ إبن حجر وأن البئر إسمها رومة وفي رواية أنها كانت لرجل من بني غفار وأخرى أنها لرجل من مزينة وكان يبيع منها الماء بالمد أو القربة بالدرهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعنيها بعين في الجنة فقال: ليس لي ولعيالي غيرها، فقال رسول الله: من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله خير منها في الجنة؟ فاشتراها سيدنا عثمان وتصدّق بها، والى ذلك أشار رضي الله عنه في حصاره من قبل الخارجين في الاحاديث المروية والصحيحة.

وتقع بئر رومة في الشمال الغربي من المدينة المنورة قرب مجرى وادي العقيق، وتبعد عن المسجد النبوي حوالي خمسة كيلومترات، ويروى أنه زاد في حفرها ووسعها، وقد ظلت هذه البئر معلماً تاريخياً عبر العصور الماضية ويبدو أنها أُهملت في بعض الأوقات ورُدمت أو جفَّ ماؤها ثم حفرت وبنيت جدرانها وفوهتها، وتسمى بئر عثمان.

وتذكر بعض المصادر أن البستان المحيط بها كان وقفاً للمسجد النبوي ويسمى أيضاً بستان عثمان.
وفي فضائلها يروي إبن شبة في تاريخ المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم القليب قليب المزني.
وهذا الحديث اسناده ضعيف وفيه اشارة ان الرجل من مزينة.

كما روى ابن شبة أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم الصدقة صدقة عثمان، يريد رومة، ويقول الفيروزآبادي: طولها ثمانية عشر ذراعاً كانت قد تهدّمت جوانبها وسقطت أطواؤها في السنين الماضية، وقد عمّرها بعد ذلك قاضي مكة شهاب الدين احمد بن محمد الطبري المتوفي سنة 760 هـ رحمه الله تعالى.

ويروي عبد العزيز احمد حلا أحد الخبراء قصة الآبار التاريخية في المدينة المنورة والتي تواصل دفق مياهها الى وقت قريب بما نصه:
ومن معلومات الطبقة التي عاشت في جو السقيا من الآبار أي من خمسين عاما مضت وما فوق كانت سقيا أهل المدينة من الآبار.. فكان معظم بيوت أهل المدينة تحتوى على آبار جوفية يستسقى منها الأهالي.

ثم بعد هذا الجيل أتى دور السقيا فى ارواء المنازل من الماء بواسطة (الزفة) وهى الآلة التى كانت تتألف من صفيحتين يربط السقاء كل واحدة منهما بطرف عود بحبل متين ويحملهما على كتفه وهما مملوءتان بالماء ثم يوصلهما إلى المنزل المطلوب سقيته وهناك آبار أثرية قديمة مشهورة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم.. منها على سبيل المثال لا الحصر.. بئر أريس أو بئر الخاتم أو بئر النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصة قصة تسمية هذه البئر تنحصر فى الحديث الصحيح الذى رواه البخاري عن أنس، قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده وفى يد أبى بكر وفى يد عمر بعد أبى بكر.

قال: فلما كان عثمان يجلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده.. ومن هذا الحديث والحديث الذى روى قبله برواية صحيح مسلم حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا عند هذه البئر متدليا بساقيه إليها وجاءه أبو بكر وعمر وعثمان فبشرهم بالجنة وهو حديث مشهور ومعروف وبذلك سميت هذه البئر بتلك الأسماء الثلاثة.. أريس وهو صاحبها.

و بئر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم بشّر أبا بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم بالجنة.. وبئر الخاتم، لأن خاتمه صلى الله عليه وسلم فقد فيها من يد عثمان رضى الله عنه والذي نعرفه من المراجع أن هذه البئر كانت تقع أمام مسجد قباء فى غربيه.. وهناك أيضا بئر رومة أو بئر عثمان بن عفان رضى الله عنه، وهذه البئر معروفة بتاريخها القديم والى وقت قريب كانت مشهورة ومعروفة بين أهل المدينة وزوّارها.

وتاريخياً، إحتفرها رجل من قبيلة مزينة ثم باعها لرومة الغفارى من قبيلة بنى غفار وهذه البئر كانت تأخذ ماءها الغزير من عين كانت تجاورها ثم نضبت هذه العين وتحول بقية ماؤها إلى هذه البئر فاستعذب الرسول الله صلى الله عليه وسلم ماءها وقال فيها (نعم الحفيرة حفيرة المزني).

ولهذه البئر قصص طويلة لانتمكن من سردها جميعها لذا ننتقل إلى شهرتها القريبة والتي مع الأسف انطفأت لأسباب مجهولة عنا وربما هي معلومة وجوهرية لدى المسؤولين عنها ومن ذاكرتي الشخصية حيث عاصرت عزّها آنذاك عندما قامت الوحدة الزراعية بالمدينة بتخطيطها تخطيطا زراعيا جميلا وجلبت إليها جميع فصائل الطيور والحيوانات وراحت بجهد بالغ تنمي هذه الثروة بالاضافة إلى أنها أخذت ترشد المزارعين بجميع طبقاتهم علمياً وعملياً وعلى أرض الواقع بالاضافه إلى الدعم الحقيقي من هذه المنتوجات وخاصة فسائل النخيل والأشجار المهجنة هذا بالإضافة إلى أن المدينة كانت مستفيدة إفادة كاملة ومباشرة من اللحوم والبيض وشتى المزروعات والفواكه التي كانت تنتجها مزارع هذه البئر وفجأة وبدون مقدمات انطفأت هذه الشعلة وقد علمت أن أرضها قد تم تقطيعها إلى مربعات سكنية وانشئت عليها فلل حديثة.

والسؤال الذى أوجهه إلى المسؤولين فى وزارة الزراعة ولنفرض أن هناك مشكلة يصعب حلها قضت على هذا المشروع الزراعي الرائد فى تلك المنطقة.. لماذا لا تتخذ الوزارة مشروعا رائدا ضخما تتوسع فيه الأعمال التى بدئت من موقع هذه البئر إلى موقع آخر يستفيد القطاع الزراعي منه بمختلف الاتجاهات؟.

والحديث كما قلت عن الآبار المشهورة فى المدينة طويل فهناك بئر بضاعة وبئر البوصة وبئر حاء وبئر العهن وبئر أهاب وبئر ذر وان وبئر انس بن مالك وبئر السقيا وبئر القراصة وبئر حلوة وبئر اليسيرة وبئر ذرع وغيرها كثير والحديث أيضا عن هذه الآبار التاريخية حلو ومانع لكني أختار الحديث الموجز هنا عن بئر بضاعة لما اشتملت عليه من حادثة فقهية وقد يفسر هذا الحدث الفقهي هذا الحديث.

عن أبي سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقال له أنه يستسقى لك من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعذر الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور ولا ينجسه شئ.. وزاد الدارقطني.. إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه.

أما اليوم فإن بئر رومة أصبحت خربة بل أكثر من ذلك، فقد أصبحت مكّباً للنفايات، لتكون شاهداً آخر على الاهمال المتعمد لآثار المسلمين الاوائل الذين بفضل جهودهم وخدماتهم الجليلة للاسلام بقيت أركانه راسخة عبر التاريخ، وبئس الامم التي لا تكّرم رجالها وآثارهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال