تعريف الإبداع.. تمرّد على الإطار المنطقي الذي يحكم الإنسانية بعقلانية صرفة. جمع دلالة الكلمة إلى جمالها، وما يتبطن فيها من إحساس مرهف أملاه تذوق الكلمة والشعور بتأثيرها



الإبداع عملية ذهنية تبحث عن معنى جديد يحمل المعنى القديم ويخطو به إلى الأمام، أي أن مرحلة الإبداع - أو المرحلة الجديدة - مجال لربط أفكار بأفكار، وليست كساء أفكار بألفاظ، وهي سابقة في وجودها على مرحلة الصياغة وتكييف الأسلوب.

فالإبداع الذي نريد هو ذلك الإبداع الذي يجمع دلالة الكلمة إلى جمالها، وما يتبطن فيها من إحساس مرهف أملاه تذوق الكلمة والشعور بتأثيرها.

والإبداع أيضاً هو تمرّد - إن صح التعبير - على الإطار المنطقي الذي يحكم الإنسانية بعقلانية صرفة، فالخاطرة التي لا تعرف حداً إبداع، والقصة التي لا تتمنطق بشكل الحياة المعروف إبداع، والمسرحية التي تصنع عالماً جديد إبـداع، والقصيدة التي ترتحل بنا إلى عالم آخر إبداع كذلك.

والإبداع ينظم الأفكار والمعاني التي يوفق إليها الأديب تنظيماً يناسب طبيعة العمل الأدبي وهدفه، فليس العثور على الأفكار إبداعاً، ولكن الإبداع عملية معقدة فيها اختيار للأفكار الصالحة، وغربلتها وتمحيصها، والانتهاء بها إلى شكل كامل وهدف محدد.

ذلك أن الإبداع عملية ذهنية تتطلب تجميع شتات الأفكار، ووضعها في إطار يلائم بين أجزاء العمل الأدبي، واسـتخدام الحــذق والمهارة لمراعاة ما يتطلبه كل جزء منه، وبذلك يأخذ العمل الأدبي طريقه إلى الشكل الذي يريده صاحبه ويرتضيه.

وهكذا نرى أن الإبداع هو الذي يحدد المادة الحقيقية للعمل الأدبي وقيمته وأساس قوته وخلوده. وسواء كان العمل الأدبي قصيدة أو قصة أو رواية تمثيلية، فإن الإبداع الفني لدى الكاتب هو مصدر حبكة القصة أو الرواية، وتحديد هيكلها ومناظرها، وتفصيل مجريات الحوادث فيها.

وكتابة الأديب الإبداعية فيها كثير من الحرية لأنه لا يتقيد بمنهج معين، ولا بنظام تعبيري خاص مقيد بحدود لا يخرج عنها.

وإذا غلبت حرية الأديب على صنعته وجهده كان ذلك علامة على تمكنه من فنه، وعلى أصالته وصدق تجربته، أما الفن الذي تغلب عليه الصنعة الشكلية فهو فن مسلوب القدرة على الحرية وعلى الحركة المنطلقة التي لا تقيدها العوائق، عندئذ يلجأ الفن إلى الشكل الخارجي وإلى الصنعة والزخرف وإلى الألفاظ.

وهذا الاتجاه إلى الشكل والإسراف في الاهتمام به هو الذي يحاربه عبد القاهر الجرجاني، ويهاجمه بكل ما أوتي من قوة، واللفظة عنده لا تصلح لأنها على صنعة كذا، وإنما تصلح لدلالتها على كذا.