معركة ظهر الحجة (يناير 1948): ملحمة الصمود الفلسطيني ضد التوسع الصهيوني في محيط الخليل وتداعياتها على مستعمرة كفار عتصيون

معركة ظهر الحجة: ملحمة بطولية في سياق الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي 1948

تُعد معركة ظهر الحجة، التي جرت أحداثها في يناير 1948، محطة هامة في سجل المقاومة الفلسطينية ضد العصابات الصهيونية قبل النكبة، وتحديدًا في محيط مدينة الخليل. هذه المعركة لم تكن مجرد اشتباك عسكري عابر، بل كانت تجسيدًا لإرادة الصمود والتصدي لهجمات المستعمرات الصهيونية التي كانت تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن وسلامة المدن والقرى الفلسطينية. يقع ظهر الحجة كجبل استراتيجي شمال قرية صوريف، إحدى قرى الخليل العريقة، مما جعله مسرحًا لأحداث بطولية.

تهديد مستعمرة كفار عتصيون وشرارة الانتفاضة:

كانت مستعمرة كفار عتصيون الصهيونية، الواقعة في طريق رئيسي يربط بين بيت لحم والخليل، تمثل بؤرة للتهديد الأمني للمسافرين العرب. لم تكن هذه المستعمرة مجرد نقطة استيطان، بل كانت قاعدة متقدمة للعصابات الصهيونية التي كانت تهدف إلى السيطرة على الطرق وقطع التواصل بين المدن الفلسطينية.

في تاريخ 13 يناير 1948، حدث تطور محوري أشعل فتيل المواجهة. ففي اليوم ذاته الذي أخلت فيه قوات الانتداب البريطاني مراكز البوليس من الجنود في منطقة جبل الخليل – وهو ما يعني إتاحة الفرصة للعصابات الصهيونية لتوسيع نفوذها – أطلقت النار من مستعمرة كفار عتصيون على سيارة القنصل العراقي وهو في طريقه إلى الخليل.

هذا الاعتداء السافر لم يمر مرور الكرام. لقد أشعل الغضب في نفوس أبناء الخليل والقرى المجاورة، وتدفق المتطوعون من القدس وبئر السبع للانضمام إلى صفوف المقاومين. رداً على الاعتداء، شن أبناء هذه المناطق هجومًا واسعًا على المستوطنة. ولكن، وعلى الرغم من الشجاعة والإقدام، فشل الاقتحام الأول. ويعزى هذا الفشل إلى غياب التخطيط العسكري المحكم، حيث كان الهجوم مدفوعًا بالعواطف والرغبة في الثأر أكثر من كونه عملية عسكرية منظمة. كانت النتيجة مؤلمة؛ فقد استشهد 14 من المهاجمين وجرح 24 آخرون، وهي خسائر كبيرة في الأرواح في بداية هذا الصراع.

معركة ظهر الحجة الكبرى: الإبادة البطولية لقوة صهيونية

بعد ثلاثة أيام فقط من الهجوم الفاشل على كفار عتصيون، وفي تاريخ 16 يناير 1948، حدثت المواجهة الحاسمة التي أخذت اسمها من الجبل الاستراتيجي. بينما كانت قوة صهيونية في طريقها إلى كفار عتصيون لتعزيز المستوطنة أو ربما للقيام بهجوم جديد، تصدى لها أهالي صوريف ببسالة.

أدركت القوة الصهيونية حجم المقاومة، فاعتصمت بـجبل ظهر الحجة، محاولةً تحصين نفسها والاستفادة من طبيعة الموقع. ولكن، على عكس الهجوم الأول، كان هناك تنظيم وتصميم مختلف من جانب المقاومين. قام المناضلون الفلسطينيون بتطويق الجبل بإحكام، ثم بدأوا في عملية اقتحام منظمة ومستمرة.

كانت المعركة عنيفة وشرسة، لكن إصرار المناضلين وعزيمتهم أثمرت عن إبادة القوة الصهيونية بالكامل. استشهد في هذه الملحمة البطولية خمسة من المناضلين الفلسطينيين، بينما تكبدت العصابات الصهيونية خسائر فادحة. وقد ذكرت تقارير صهيونية لاحقة، نشرت أسماء القتلى في صحيفة حيروزالم بوست، أن عددهم بلغ 35 قتيلاً، مما يؤكد ضخامة الضربة التي تلقتها القوات الصهيونية في هذه المعركة.

التداعيات المباشرة والتدخل البريطاني:

لم تنته فصول المواجهة عند هذا الحد. في 18 يناير 1948، أي بعد يومين من معركة ظهر الحجة، جاءت قافلة صهيونية كبيرة بهدف نقل جثث القتلى الذين سقطوا في المعركة. ولكن المناضلين الفلسطينيين كانوا لهم بالمرصاد. تصدوا للقافلة واشتبكوا معها في معركة استمرت قرابة 7 ساعات متواصلة.

كانت هذه المعركة دليلًا آخر على بسالة المقاومين؛ فبعد قتال عنيف، ارتدت القافلة الصهيونية على أعقابها دون أن تتمكن من تحقيق هدفها. وفي هذه المواجهة، استشهد ثلاثة مناضلين آخرين، بينما قُتل 13 صهيونيًا، مما يؤكد استمرارية الخسائر الصهيونية.

تدخلت حكومة الانتداب البريطاني في النهاية، وسيطرت على الوضع، وقامت بنقل جثث القتلى من ساحة معركة ظهر الحجة. هذا التدخل يؤكد على مدى أهمية هذه المعارك وتأثيرها على الوضع العام في فلسطين تحت الانتداب.

الأثر طويل المدى وسقوط المستوطنات:

كان لمعركة ظهر الحجة وما تبعها من مواجهات تأثير كبير على الرأي العام داخل الكيان الصهيوني آنذاك. فبعد هذه الخسائر الفادحة، انقسم الرأي العام في إسرائيل حول جدوى الإبقاء على المستوطنات البعيدة، خاصة تلك التي كانت تشكل أهدافًا سهلة للمقاومة الفلسطينية. تساؤلات جدية طرحت حول استراتيجية الدفاع عن هذه النقاط الأمامية.

وعلى الرغم من هذه التساؤلات، فقد بقيت مستوطنات "غوش عتصيون" (التي تضم كفار عتصيون) صامدة لفترة. ولكن مصيرها النهائي كان الدمار. ففي الفترة ما بين 10 و13 مايو 1948، أي قبل أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل والنكبة، تم تدمير هذه المستوطنات تدميرًا كاملاً. وقد جاء هذا التدمير على يد حرس القوافل في الجيش الأردني، الذي كان له دور حاسم في مساعدة المقاومة الفلسطينية، بمشاركة فاعلة من أبناء الخليل الذين استكملوا ما بدأوه في يناير. واقتيد الأسرى الصهاينة الذين بقوا على قيد الحياة إلى معسكرات اعتقال الأسرى.

تظل معركة ظهر الحجة رمزًا للصمود والتضحية، وتذكيرًا بتاريخ طويل من المقاومة الفلسطينية ضد المشروع الصهيوني.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال