النقل بسبب ظروف صحية: نظرة معمقة على الحقوق والإجراءات
لا ينص القانون المغربي بشكل مباشر على حق المدرسين في النقل بسبب ظروف صحية. ومع ذلك، هناك آليات قانونية وإدارية يمكن للمدرسين المتضررين صحيًا الاستفادة منها لتقديم طلبات النقل أو الحصول على إعفاء من مهامهم الوظيفية. تعتمد هذه الآليات بشكل كبير على السلطة التقديرية للوزير في تسيير شؤون الموظفين، مع مراعاة بعض الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية.
الحركة الانتقالية والاعتبارات الصحية: تفصيل وتوضيح
بموجب الفصل 64 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، يُمنح الوزير صلاحية نقل الموظفين التابعين لسلطته. هذا الفصل يشكل نقطة الانطلاق الأساسية لأي طلب نقل لأسباب صحية، حيث يُلزم الوزير بمراعاة طلبات الموظفين وظروفهم العائلية، مع الحفاظ على مصالح الإدارة.
كيف يمكن للمدرس المتضرر صحيًا الاستفادة من هذه الآلية؟
1. المشاركة في الحركة الانتقالية:
تُنظم الحركة الانتقالية سنويًا في نهاية كل موسم دراسي، وهي الفرصة الرئيسية للمدرسين لتقديم طلبات النقل. يجب على المدرس المعني أن يتقدم بطلب نقل عادي ضمن هذه الحركة، مع الإشارة إلى الظروف الصحية كسبب رئيسي لطلبه.
2. إرفاق شهادة طبية مفصلة:
هذا هو العنصر الأكثر أهمية لتعزيز طلب النقل. يجب أن تكون الشهادة صادرة عن طبيب مختص (وليس طبيبًا عامًا فقط إذا كانت الحالة تتطلب ذلك) وتوضح بوضوح:
- التشخيص الدقيق للحالة الصحية: يجب أن تكون المعلومات الطبية واضحة وموثقة.
- مدى تأثير الحالة على الأداء الوظيفي: كيف تؤثر هذه الحالة على قدرة المدرس على التدريس، أو على إنجاز مهامه في بيئة العمل الحالية (مثل الحاجة إلى بيئة معينة، أو صعوبة التنقل، أو ضغط العمل).
- تبرير الحاجة إلى النقل: لماذا يعتبر النقل ضروريًا لتحسين الوضع الصحي للمدرس، وهل المكان الحالي يفاقم المشكلة الصحية؟ (على سبيل المثال، مدرسة بعيدة تتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا للتنقل، أو بيئة عمل غير صحية تزيد من تفاقم مرض مزمن).
- توصيات طبية: إذا كانت هناك توصيات محددة من الطبيب بشأن بيئة العمل أو نوع المهام التي يمكن للمدرس القيام بها.
3. دور النقابة المهنية:
يُنصح بشدة بتسليم نسخة من ملف طلب النقل والشهادات الطبية إلى النقابة المهنية التي ينتمي إليها المدرس. يمكن للنقابة أن تلعب دورًا محوريًا في:
- تقديم الدعم والمشورة: إرشاد المدرس بشأن الإجراءات الصحيحة والوثائق المطلوبة.
- المتابعة والضغط الإيجابي: يمكن للنقابة أن تتدخل لدى الإدارة لدعم طلب المدرس ومتابعته، مما يزيد من فرص الاستجابة له.
- الوساطة: في بعض الحالات، قد تعمل النقابة كوسيط بين المدرس والإدارة لحل المشكلة.
ملاحظات هامة حول طلب النقل الصحي:
- السلطة التقديرية للإدارة: على الرغم من كل هذه الإجراءات، تظل الإدارة غير ملزمة قانونًا بالاستجابة لطلب النقل. القرار النهائي يعتمد على عدة عوامل، منها:
- خطورة الحالة الصحية ومدى تأثيرها.
- مدى توفر الشواغر في الأماكن المطلوبة.
- مصلحة الخدمة التعليمية وعدم الإخلال بسير العمل.
- مدى إلحاح الحالة ووجود حلول بديلة.
- أهمية التواصل: يُفضل التواصل المباشر مع المسؤولين الإداريين لشرح الوضع الصحي وتقديم الطلب بشكل شخصي، بالإضافة إلى الإجراءات الإدارية المعتادة.
العجز الصحي: ضمانات وحماية الموظف المريض
في الحالات التي يصل فيها العجز الصحي للموظف إلى درجة تمنعه من أداء مهامه الوظيفية، يوفر القانون المغربي آليات حماية وضمانات للموظف، تختلف عن مسألة النقل:
1. الرخص الطبية وأنواعها:
- الرخصة القصيرة الأمد: تُمنح للموظف في حالة الإصابة بأمراض أو حوادث لا تستدعي غيابًا طويلًا، وتتراوح مدتها من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع. يُحتفظ خلالها بالأجر كاملاً.
- الرخصة المتوسطة الأمد: تُمنح للأمراض التي تتطلب علاجًا طويل الأمد لكنها لا تُعد من الأمراض المزمنة الخطيرة (مثل بعض أنواع الجراحة أو التعافي من إصابات كبيرة). يمكن أن تمتد لعدة أشهر، ويُحتفظ خلالها بالأجر كاملاً في البداية ثم بنسبة مئوية منه بعد فترة معينة.
- الرخصة الطويلة الأمد: تُخصص للأمراض الخطيرة والمزمنة التي تتطلب رعاية صحية مستمرة وغيابًا طويلًا عن العمل (مثل السرطان، أمراض القلب المزمنة، الشلل، الأمراض العقلية المستديمة). يمكن أن تمتد لعدة سنوات، ويُحتفظ فيها بالأجر كاملاً لفترة معينة ثم بنسبة منه بعد ذلك. تهدف هذه الرخص إلى حماية الموظف وضمان استمرارية دخله أثناء فترة العلاج.
2. دور المجلس الصحي:
عندما يكون الموظف مصابًا بعجز صحي يمنعه من أداء مهامه بشكل دائم أو تتجاوز رخصه الطبية القصيرة والمتوسطة المدى المسموح بها، يُحال ملفه على المجلس الصحي. هذا المجلس هو هيئة طبية حكومية مختصة تُشكل لتقييم الحالات الصحية للموظفين العموميين. يدرس المجلس ملف الموظف والتقارير الطبية ويستمع إليه (إذا كان ذلك ممكنًا)، ثم يتخذ أحد القرارات التالية:
- الإحالة على التقاعد بسبب العجز الصحي: إذا قرر المجلس أن الموظف غير قادر بشكل دائم وغير قابل للشفاء على أداء مهامه الوظيفية، يتم إحالته على التقاعد. في هذه الحالة، يستفيد الموظف من معاش تقاعدي يُحتسب بناءً على سنوات الخدمة، وقد يكون له الحق في تعويضات إضافية حسب نوع العجز. هذه هي أهم وسيلة لحماية الموظف الذي أصبح عاجزًا عن العمل.
- التوقيف المؤقت عن العمل: في بعض الحالات، قد يرى المجلس أن الحالة الصحية للموظف قد تتحسن مع مرور الوقت. في هذه الحالة، يمكن أن يتخذ قرارًا بتوقيف الموظف مؤقتًا عن العمل، مع مراجعة حالته بعد فترة محددة. خلال هذه الفترة، قد يستفيد الموظف من جزء من راتبه أو تعويضات معينة.
- العزل من الوظيفة: هذا القرار هو الأكثر صرامة ويتخذ في حالات نادرة جدًا، عندما يكون الموظف غير قادر على الإطلاق على العودة للعمل ولا يوجد أي أمل في تحسن حالته، وقد يكون مصحوبًا بظروف خاصة تتعلق بطبيعة العجز أو عدم الاستجابة للعلاج. في هذه الحالة، يفقد الموظف وظيفته، لكنه قد يستفيد من حقوقه التقاعدية أو تعويضات محددة حسب القوانين المعمول بها.
خلاصة:
إن هذه الضمانات والإجراءات هي السبل القانونية الوحيدة لإعفاء الموظف المريض من القيام بمهامه الوظيفية مع الاحتفاظ بأجره أو جزء منه. لا توجد أي وسيلة أخرى خارج هذه الأطر القانونية التي تضمن استمرارية دخل الموظف أو حقه في التقاعد بسبب العجز الصحي. هذا النظام يهدف إلى توفير شبكة أمان للموظفين الذين يواجهون تحديات صحية كبيرة، مع الحفاظ على سير العمل الإداري.