مبدأ سمو الدستور.. لا يجوز سن قانون يتعارض مع الدستور، ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نصٍ قانوني آخـر يتعارض معه



يسلّم رجال الفقه والسياسة معاً بـ ﴿مبدأ سمو الدستور﴾، بل إن دساتير بعض الدول قد قررته صراحة أو أشارت إليه، وقد نُصَّ على المبدأ لأول مرة في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1787، وذلك في المادة السادسة منه، حيث قررت أنَّ: ﴿هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعاً له، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الولايات المتحدة، سيكون القانون الأعلى للبلاد. ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به، ولا يعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفاً لذلك﴾.

وتضمن أيضاً الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 نصاً صريحاً يقرر هذا المبدأ، حيث نصت المادة /13/ من هذا الدستور على الآتي: ﴿أولاً: يُعَدّ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء ثانياً: لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعَدّ باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم أو أي نصٍ قانوني آخـر يتعارض معه﴾.

كما تضمنت دساتير بعض الدول العربية نصوصاً تشير إلى مبدأ سمو الدستور، كالدستور المصري الحالي لسنة 1971 (المعدَّل) الذي حرص على تقرير هذا المبدأ بالنص في المادة /64/ منه على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة" وفي المادة /65/ منه على أن "تخضع الدولة للقانون.."، وكذلك أيضاً الدستور السوري الحالي لسنة 1973 الذي قرَّر في المادة /25/ منه أن "سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة".

ولا ريب في أنَّ المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي الأعم الذي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها وفي الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها.

ويعد مبدأ سمو الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطي سليم، كما يعد أيضاً من أهم خصائص الدولة القانونية، وهذه الأخيرة  كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية  هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها وأيَّاً كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، باعتبار أنَّ ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تٌباَشر نيابة عن الجماعة ولصالحها.

ويقصد بمبدأ سمو الدستور ﴿علوّ القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة﴾. وانطلاقاً من ذلك، فإنَّ القواعد الدستورية تعتبر السند الشرعي لتحديد نظام الحكم ولممارسة السلطات العامة في الدولة لاختصاصاتها، وهكذا فالسلطة لا توجد إلا بالدستور ولا تظهر إلا بالقدر الذي يحدده الدستور وينظمه.

وفي تفسير هذا المبدأ تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية: ﴿إنَّ القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً عليَّاً لأنها تتوسَّد منها المقام الأسمى كقواعد آمره لا تبديل فيها إلا بتعديل الدستور ذاته﴾، وتقول أيضاً في حكم آخر: ﴿وحيث إنَّ رقابة هذه المحكمة للنصوص التشريعية المطعون عليها إنما تتغيَّا ردَّها إلى أحكام الدستور، تغليباً لها على ما دونها، وتوكيداً لسموها على ما عداها، لتظل الكلمة العليا للدستور، باعتباره القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، فيحدّد للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية صلاحياتها، واضعاً الحدود التي تقيّد أنشطتها، وتحول دون تدخل كل منها في أعمال الأخرى، مقرّراً الحقوق والحريات العامة، مرتّباً ضماناتها﴾.

ويستفاد من ذلك كله أنَّ قواعد الدستور تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين مجمل قواعد النظام العام التي يتعين على الدولة التزامها ومراعاتها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات.

وهذه المنزلة الرفيعة والمكانة السامية التي يحتلها الدستور في سلم التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة برمته، تستند أولاً إلى طبيعة قواعده ومضمونها، وهو ما نسميه "السمو الموضوعي للدستور"، وهذا السمو يتحقق لجميع أنواع الدساتير عرفية كانت أو مكتوبة، مرنة كانت أو جامدة.

كما تستند هذه المكانة أيضاً إلى الشكل أو الإجراءات التي توضع بها أو تعدل بمقتضاها القواعد الدستورية، وهو ما نسميه "السمو الشكلي للدستور"، وهذا السمو لا يتحقق إلا بالنسبة للدساتير المكتوبة الجامدة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق