إن الدستور يتضمن مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة (دولة موحَّدة أو مركَّبة) ونوع الحكومة (مَلَكية أو جمهورية، دكتاتورية أو ديمقراطية، وديمقراطية برلمانية أم غير برلمانية.. الخ) وكيفية تنظيم السلطات العامة في الدولة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها بعضها ببعض، والحقوق الأساسية للأفراد وتنظيم علاقاتهم بالدولة وسلطاتها.
وهذه القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة يمكن أن توجد بأسلوبين: فهي إما أن تكون وليدة السوابق التاريخية والعادات والأعراف والتقاليد والاتفاقات الدستورية، دون أن تجمع وتدوَّن في وثيقة رسمية، وهذا ما يسمّونه «الدستور غير المدوَّن» أو «الدستور العرفي»، أو تكون مدونَّةً صراحةً في وثيقةٍ أو عدة وثائقَ رسميةٍ مكتوبة، وهذا ما يسمى بـ «الدستور المدوَّن أو المكتوب».
ويلاحظ أن تصنيف الدساتير إلى دساتير مدونة وأخرى غير مدونة هو تصنيف وهمي غير حقيقي illusory أو نسبي غير مطلق، فما من دولة في العالم إلا ويتضمن دستورها أحكاماً مكتوبة وأخرى غير مكتوبة.
فمن ناحية نجد أن القواعد الدستورية في البلاد ذات الدساتير المدوَّنة ليست كلها مدونة في وثيقة رسمية، حيث تنشأ إلى جوارها أعراف دستورية تقوم بتفسير وتوضيح ما يشوب نصوص الدستور من غموض، أو تقوم بسد وإكمال النقص الذي اعترى الدستور، من خلال معالجة مسائل دستورية تتصل بنظام الحكم في الدولة أغفل المشرع تنظيمها، أو تقوم بإجراء تعديلٍ في نصوص الدستور بالإضافة أو الحذف.
ومن ناحية ثانية، فإن القواعد الدستورية الموجودة في البلاد ذات الدساتير العرفية، ليست كلها قواعد عرفية غير مدونة.
فالدستور البريطاني على سبيل المثال وهو من أبرز الأمثلة على الدساتير غير المدونة يحتوي على عددٍ كبيرٍ من الوثائق المكتوبة الصادرة على شكل قوانين أو تشريعات برلمانية Statutes or Acts of Parliament، أو اتفاقات ومواثيق Charters أو قرارات وأحكام قضائية Judicial Decisions.
وإذا كانت جميع الدساتير تتضمن قواعد دستورية مكتوبة وأخرى غير مكتوبة أو عرفية، حيث لا يوجد أي بلد في العالم دستوره مدوَّن كليَّاً أو عرفي بالكامل، فإن تقسيم الدساتير إلى دساتير مدونة وغير مدونة، هو تقسيم يقوم على اعتبار العنصر الغالب الأعمّ من هذه القواعد الدستورية في دولة معينة.
فيعتبر الدستور في دولة من الدول مدوناً إذا كانت معظم القواعد الدستورية فيها مدونة، ويعتبر الدستور في دولة أخرى عرفياً إذا كان العنصر الغالب من القواعد الدستورية غير مدون في وثيقة أو وثائق رسمية.
وجدير بالذكر أن الدول ذات الدساتير المدونة إذا كانت توجد فيها قواعد عرفية غير مدونة، وكذلك الدول ذات الدساتير العرفية إذا كانت توجد فيها قواعد مكتوبة أو مدونة على النحو السابق، إلا أنه يلاحظ في هذا الخصوص أن القواعد العرفية في الدول ذات الدساتير المدونة تظل في هذا الميدان استثناءً من الأصل العام وهي القواعد المدونة.
كما يلاحظ أن القواعد الدستورية المدونة في وثائق رسمية في الدول ذات الدساتير العرفية تظل أيضاً في هذا الميدان استثناءً من الأصل العام وهي القواعد العرفية.
ويترتب على ذلك أن القواعد العرفية تعدّ المصدر الأصلي للقانون الدستوري في الدول التي تأخذ بالدساتير غير المدونة، أمَّا ما قد يوجد في هذه الدول من قواعد دستورية مدونة في وثائق رسمية فتعدّ بمثابة مصدرٍ تكميلي.
وبالمقابل، نجد أن القواعد المكتوبة تعدّ المصدر الأصلي أو الأساسي للقانون الدستوري في الدول التي تأخذ بالدساتير المدونة، أمَّا ما قد يوجد في هذه الدول من قواعد عرفية مستقرة فتعدّ بمثابة مصدرٍ تكميلي.
التسميات
قانون دستوري