ترجيح الشهادة الطبية بالمرض على شهادة العدلين"بالأتمية" تطبيقا لقواعد ظهير الالتزامات والعقود.. الورقة الرسمية حجة قاطعة في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره

يستند الاتجاه القضائي المرجح لشهادة العدلين "بالأتمية"، على كون الرسم العدلي الذي يشهد فيه العدلان بأن المتعاقد كان وقت التعاقد بأتمه يعتبر ورقة رسمية، وبالتالي حجة قاطعة على أنه لم يكن مريضا وقت التعاقد لا يمكن إثبات عكسها، وذلك تطبيقا للفصل 413 من ظ. ل. ع. الذي ينص على أن "الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور".

لكن إذا كان العقد المحرر من لدن عدلين يعتبر ورقة رسمية، فإن الذي يستفيد من هذه الصفة ليعتبر دليلا قاطعا لا يمكن إثبات عكسه إلا بالطعن فيه بالزور هو ما يثبته المحرر بناءا على معرفته أو مشاهدته أو سماعه شخصيا، أما الأمور التي لا يستطيع المحرر وليس مطلوبا منه أن يتحقق منها شخصيا وقت تحرير العقد كحالة المتعاقدين الصحية، فلا تستفيد من هذه الصفة ويمكن إثبات ما يخالفها  باعتبارها خارجة عن مهمته.

لذلك لا يمكن القول بأن شهادة العدلين بالأتمية تتمتع بالحجية المطلقة، لتعلقها بواقعة حدثت أمامهما أثناء قيامهما بمهمتها. فالواقع أن "الأتمية" ليست واقعة مادية حدثت أمام العدلين، وشاهداها، وإنما هي "استنتاج" من "الحالة الظاهرة".

ومن المعلوم أن ما يستنتجه محرر الورقة الرسمية من الوقائع التي تعرض أمامه أثناء التحرير، لا يكتسب صفة البيانات الرسمية التي يضفي عليها القانون قوة إثباتية قاطعة، وإنما يخضع في تقييم قوته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة التي تعتمد بالخصوص الوقائع التي اعتمدها المحرر في استنتاجه.

إن شهادة العدلين بالأتمية ما هي إلا رصد ظاهري للحالة الصحية للمريض المتعاقد وقد يكون الواقع مخالفا لهذا الرصد خصوصا وأن مهمة القطع والحسم بما إذا كان الشخص المتعاقد مريضا ليست مهمة توثيقية وإنما هي مهمة طبية يتعين إسنادها للطبيب المختص.

لذلك فإن العدول والموثقين لا يعتبرون مؤهلين بأن يشهدو بأن المتعاقد كان مريضا أو صحيحا إلا في حالة واحدة وهي استشارة طبيب أو أطباء للتأكد من الحالة الصحية للبائع. وفي هذه الحالة يتعين عليهم أن يعرفوا بهم طبقا للفصل 420 من ظ. ل. ع.

أما في غير هذه الحالة فإن العدلين أو الموثق لا يستطيعون أن يقفو على جميع أعراض المرض لأن ذلك يعتبر من اختصاص أهل الخبرة أي الأطباء أما إشهادهم بأن المتعاقد كان بأتمه فهو استنتاج منهم فقط في ضوء الحالة الظاهرة، ولذلك يظل قابلا لإثبات العكس وخاصة بشهادة الأطباء.

كما أن الشهادة بأتمية المشهود عليه تشكل ضربا من بنود الروتين التي نقف عليها في جميع الرسوم العدلية للبيوع والتي غالبا ما ينقلها العدول من كتب الوثائق من غير أن يعرف معظمهم مدلول ما يسطر في آخر الرسوم من عبارة "عرفا قدره شهد به عليهما بأتمه وعرفهما..."، والأصل في بنود الروتين ألا يعتد بها.

لهذه الاعتبارات فإن في اعتبار شهادة العدلين بالأتمية حجة مطلقة، تطبيق خاطئ للفصل 419 من ظ. ل. ع، ومخالفة صريحة للفصل 420 من نفس القانون الذي لا يجعل الورقة الرسمية حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إلا إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها.

وتطبيقا لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة التعقيب التونسية بأن "إشهاد العدلين على أن البائع كان وقت البيع مريضا ولكنه بحالة ميز وإدراك يفهم ما يقول وما يقال له هو في الحقيقة خارج عن نطاق الإشهاد ووظيفة المأمور العمومي وبذلك تمكن معارضته بجميع وسائل الإثبات وبالأخص بشهادة أهل الخبرة وهم الأطباء في صورة الحال إذ إليهم وحدهم المرجع في تقدير حالة المرض ودرجة ميز المريض وشعوره".

كما جاء في قرار آخر لنفس محكمة التعقيب بتاريخ 15 أكتوبر 1963 "أن العدلين لما صرحا بأن البائع كان بحالة جائزة (أي كان بأتمه أو بجواز أمره) إنما شهدا بما بدا لهما من ظواهر الأمور وحسب نظرهم.

وهذه الظواهر قد لا تتنافى مع حالة الضعف العقلي... والتي قد لا تكون ظاهرة في حصة الإشهاد.
ولذلك فإن القرار لما تناول البحث حول الحقيقة في هذا الصدد بدون أن يقع رمي الحجة (العدلية) بالزور لا يعتبر مخطئا قانونا".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال