أساس القوة الإثباتية للشهادة الطبية في الفقه الإسلامي.. شهادة الطبيب الواحد تكفي في العيوب والأمراض مع عدم قبول شهادة الطبيبة الأنثى إذا كان المرض في امرأة فيما لا يظهر للرجال

إن الحديث عن أساس القوة الإثباتية للشهادة الطبية في الفقه الإسلامي لا يعني أن هذا الفقه قد عرف تلك الشهادة المكتوبة الصادرة عن طبيب يتمتع بامتياز قانوني لممارسة المهنة، وإنما هي محاولة لتأصيل قيمة شهادة الطبيب الواحد في الإثبات.

لقد ذهب فقهاء المالكية إلى أن شهادة الطبيب الواحد تكفي في العيوب والأمراض. وفي ذلك يقول بن عاصم في تحفته في فصل أنواع الشهادات:
وواحد يجزئ في باب الخبــر -- واثنان أولى عند كل نظر

وإذا كان المرض في امرأة فيما لا يظهر للرجال فتقبل شهادة الطبيبة الأنثى.

ولا تشترط العدالة في هذا الطبيب الواحد إلا استحسانا، إذ يحكم بقوله وان لم يكن عدلا، لأنه علم يؤديه وليس من طريق الشهادة. ذلك أنه إذا كان من أهل العدل فهو أتم، وإن لم يوجد أهل عدل قبل فيه قول غيرهم  للتعدر.

بل إنه لا يشترط فيه حتى الإسلام، بحيث يقبل قول المشرك، كما يقبل قول الطبيب النصراني فيما يحتاج إلى معرفته من ناحية الطب كالعيوب والجراحات. غير أن هذا لا يعني أن المسلم كالكافر، فالكافر لا يشهد إلا عند عدم وجود المسلم.

 لكن إذا كان الإسلام والعدالة شرطا كمال فيمن يشهد بالأمراض، فإن المعرفة بهذه الأمراض والبصر بحقائقها شرط وجوب، بحيث لا يقبل إلا قول الأطباء الذين يعرفون أسرارها.

وعليه نكون قد خلصنا بصفة واضحة وجلية إلى أن الجهة المختصة بتشخيص الأمراض ومدى خطورتها وتاريخ حدوثها هم أهل العلم والمعرفة من الأطباء دون سواهم، وأن الواحد كاف، ولا يسأل عن مستند علمه بشأن مأموريته، كما لا يشترط فيه بعد توفر مؤهلات العلم والمعرفة وجود أي صفة أخرى من عرق أو لون أو عدالة أو دين.

وإذا كان هذا هو شأن شهادة الطبيب زمن صياغة هذه المصنفات الفقهية، فيكون من باب الأولى قبول الشهادة الصادرة عن طبيب اليوم بإمكانياته ومعارفه العلمية الأكثر تطورا ودقة.

ولا يعيب قبول هذه الشهادة كونها أصبحت كتابية ما دام المجتمع نفسه قد تحول بشكل أصبح يستحيل معه على الطبيب أن ينتقل كل يوم عبر مختلف محاكم المملكة، أو حتى إلى المحكمة الواحدة، ليشهد في كل قضية يحتاج فيها إلى رأيه في الإثبات.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال