دور الجغرافيا في حماية البيئة والموارد الطبيعية.. حماية النباتات والحيوانات والموارد البيئية وتطبيق برامج تحسين البيئة وصيانة الموارد اعتمادا على التخطيط البيئي



دور الجغرافيا في حماية البيئة والموارد الطبيعية:

إن مشكلة نفاد الموارد الطبيعية، تعد من المشكلات المستعصية أمام البشرية، وسوف يزداد خطر هذه المشكلة يوما بعد يوم، مع تزايد استهلاك المواد الخام الطبيعية واستنزافها، وتزايد عدد السكان بشكل كبير جدا، وخاصة سكان المدن، وسكان البلدان النامية على الأخص، وما يرافق ذلك من مشكلات بيئية مختلفة، حيث إن الكثير من العلماء والمهتمين يؤكدون بأن البشرية أمام مفترق طرق خطير، إما أن تسلك طريق السلامة بوعي وإدراك لأهمية الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها بما يحقق مصلحة الأجيال الحالية ومصلحة الأجيال القادمة والبشرية جمعاء، وإما أن تسلك البشرية طريق الندامة إذا استمرت في تدمير النظم البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية بشكل صارخ، كما يحدث هذه الأيام من دون مراعاة قدرة هذه الموارد على التجدد المناسب الذي يؤمن استمرارية توفر الموارد بالشكل المطلوب.
 

تناقص قدرة الكرة الأرضية على إعالة الحياة:

بشكل عام يمكن القول إن الموارد الطبيعية المتجددة يتم استغلالها في الوقت الحاضر بشكل يفوق قدرتها على التعويض أو التجدد، نتيجة لكل ذلك فإن قدرة الكرة الأرضية على إعالة الحياة آخذة بالتناقص بشكل خطير، وبدرجة لا يمكن إيقافها في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد البشر بشكل سريع، وتزداد معها بطبيعة الحال معدلات الاستهلاك مما يسبب ضغطا شديدا ومتزايدا على موارد الأرض.

تناقص القدرة الإنتاجية لكوكب الأرض:

ومع ذلك لم يتعلم الناس بعد كيف يعيشون ويتعايشون مع الظاهرة التي لا يمكن تعويضها في عالمنا ألا وهي الغلاف الحيوي (البيوسفير)، الذي يشكل تلك القشرة الرقيقة من الكرة الأرضية التي تضم عناصر الحياة، ومقومات وجودها واستمرارها، فقد أدى الفشل في القدرة على التعايش مع الغلاف الحيوي إلى حدوث تناقص في القدرة الإنتاجية لكوكب الأرض.

التوازن البيئي في الوسط الحيوي:

لقد وفر كوكب الأرض للكائنات الحية التي تعيش عليه مستلزمات الحياة من خلال توفر الموارد الطبيعية، كالهواء والماء والتربة والنبات والحيوان والمعادن وغير ذلك مما أنعم الله على مخلوقاته من موارد وعناصر تستمد استمرارية بقائها من خلال نظام تبادل المنفعة أو تبادل ما يسمى بالمادة والطاقة، حيث يستمد كل عنصر وجوده من خلال بقية الكائنات الحية والعناصر غير الحية بحيث يتحقق التوازن البيئي في الوسط الحيوي كله.
  

نظام بيئي متكامل:

إن الأرض تؤلف نظاما بيئيا مفتوحا يتم فيه تبادل المادة والطاقة، ولكن الأرض في نفس الوقت تعد كوكبا محدود الحجم والموارد، وقد استغرقت ملايين السنين حتى وصلت إلى نظام بيئي مستقر فيه من التنوع الحيوي والتشابك ما يسمح باستمرار هذا التنوع وهذا التوازن والمحافظة عليه، ومع ذلك بقيت الموارد الطبيعية تعني أشياء مختلفة باختلاف الناس، فهي تعني عند التاجر الذي ينشد الربح شيئا مختلفا عما تعنيه عند رجل السياسة، أو عند المهتم بقضايا البيئة.

ومهما يكن من أمر فإن الموارد الطبيعية في البيئة التي تعود إلى الأنماط النباتية والحيوانية والصلبة والسائلة والغازية تكَون بشتى أنواعها نظاما بيئيا متكاملا، وقد تعرضت خلال فترات زمنية مختلفة إلى ضغوط وتأثيرات مختلفة ومتفاوتة، كالتلوث والاستنزاف وكوارث الانقراض.

خلق ظروف مثالية مناسبة لحياة المجتمعات البشرية:

ومن أجل حماية الموارد الطبيعية لا بد من اتخاذ الإجراءات المدروسة من قبل الحكومات، والشعوب، والمنظمات، بهدف الاستغلال المنطقي والعقلاني للموارد الطبيعية لغرض حمايتها وإصلاحها، والمحافظة على الطبيعة من التدهور والتلوث، بحيث يؤدي ذلك إلى خلق ظروف مثالية مناسبة لحياة المجتمعات البشرية والاستجابة لجميع احتياجاتها المادية والثقافية للأجيال الحالية والأجيال المقبلة.

دور الجغرافية في حماية البيئة، والمحافظة على الموارد الطبيعية:

سؤال مشروع كثيراً ما يتم  طرحه: ما دور الجغرافية في حماية البيئة، والمحافظة على الموارد الطبيعية؟
وللإجابة عن هذا السؤال سوف نبين في هذا الكتاب، أهمية الجغرافية، ودورها في حماية الموارد الطبيعية وترشيد استغلالها، بما في ذلك دورها في حماية الموارد المائية ودراسة العلاقة المعقدة بين الغلاف المائي ومختلف عناصر الوسط المحيط، وحماية الهواء والغلاف الجوي من التلوث، وإظهار العواقب الناتجة عن ذلك، وكذلك المحافظة على التربة وصيانتها باعتبارها من العناصر الضرورية للحياة، وقاعدة مهمة للإنتاج، ومجالاً مكانياً لتنظيم الاقتصاد والعمران، ووسطاً لحياة الإنسان وغيره من الكائنات الحية، أضف إلى ذلك دور الجغرافية في حماية البيئة من الحروب وسباق التسلح، ومخاطر الحرب النووية.

التخطيط الجغرافي العلمي الصحيح:

ويمكن التأكيد على أهمية الجغرافية ودورها في التخطيط والتنبؤ على مستوى الوحدات الجغرافية المختلفة (الأنظمة الجغرافية) من أجل تحسين البيئة، وحمايتها، وإدارتها بشكل سليم لما فيه مصلحة البيئة، وخير الإنسان، والمجتمع البشري، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من عملية التخطيط الجغرافي العلمي الصحيح، وذلك بمشاركة العلوم الأخرى لأن حل المشكلات البيئية المعاصرة لا يمكن أن يتم في إطار علم واحد فقط.

مشكلات عالمية لا تعرف الحدود الجغرافية:

وبما أن المشكلات البيئية (الايكولوجية)، لم تعد محصورة في مكان محدد، وإنما هي الآن مشكلات عالمية لا تعرف الحدود الجغرافية - السياسية، الدولية أو الإقليمية ولا تعترف بها، ومعظمها مشكلات جغرافية (مكانية) قبل كل شيء، ترتبط بالمكان وتصبح فاعلة ومتغيرة في الزمان، تتأثر وتؤثر في مختلف عناصر النظام البيئي (Ecosystem) الجامدة والحية، التي تشكل في معظمها عناصر النظام الجغرافي (Geosystem)، وبشكل خاص الإنسان الذي يعد أهم هذه العناصر في كلا النظامين.

إن حماية البيئة هي مجموعة من الإجراءات التنظيمية (التكنولوجية، الاقتصادية، الإدارية، القانونية، التربوية، الخ) التي تقوم بها الحكومات والجهات الرسمية والشعبية بهدف حماية البيئة واستغلال مواردها بشكل عقلاني ومنظم، يضمن للأجيال الحالية والمقبلة تأمين حاجاتها المادية والروحية الآن وفي المستقبل.

خطوات حماية البيئة:

إن حماية البيئة هي سياسة وفلسفة إدارة البيئة، من أجل المحافظة على الموارد الطبيعية من التدهور والاستنزاف والتدمير، لكي تضمن موارد كافية لمصلحة الأجيال في الحاضر والمستقبل، وهذه الحماية تشمل ثلاثة أجزاء هي:
1- حماية النباتات والحيوانات والموارد البيئية، والمناطق الحضارية، والمواقع التاريخية من التلوث والاستنزاف والاستخدام غير العاقل.
2- استغلال الموارد الطبيعية بما يكفل دوام عطائها لتأمين حاجات الإنسان المتزايدة، ليس في الوقت الحاضر فقط، وإنما للأجيال القادمة.
3- تطبيق برامج تحسين البيئة وصيانة الموارد اعتمادا على التخطيط البيئي.

التنمية المتوازنة الآمنة للبيئة:

ولكن من المهم في التخطيط البيئي، مساهمة الجغرافية، خاصة الجغرافية التطبيقية، الميدانية، في الحصر الشامل والمتكامل للموارد الطبيعية ثم وضع الخطط والبرامج المناسبة لحمايتها.
وتعد الجغرافية الأساس العلمي للتخطيط البيئي، ويعد التخطيط البيئي مجالاً تطبيقياً لها، وحتى تنجح الجغرافية في هذا المجال عليها تعميق أسسها النظرية المفيدة في تفسير العمليات والتطورات الجارية في الطبيعة، والتنبؤ بمستقبلها، والتخطيط لإدارتها من أجل تحقيق التنمية المتوازنة الآمنة للبيئة والاقتصاد والمجتمع.

حماية الثروة الطبيعية:

والتأكيدات على أهمية وفاعلية دور الجغرافية في حماية البيئة والموارد الطبيعية كثيرة، فعلم الجغرافية الحديث يمتلك مقدرة علمية هائلة تعطي له دوراً عظيماً في هذا المجال، لا يقل بأي شكل من الأشكال عن دور العلوم الأخرى كالفيزياء والكيمياء والأحياء وإسهامها في التطور العلمي بما يساعد في إيجاد ظروف طبيعة مناسبة  لحياة الإنسان، ويعتقد باراسوف «أن كل مختص في حقل حماية الثروة الطبيعية يجب أن يكون ملماً إلماماً تاماً بالعلوم الجغرافية».

وإذا كانت مشكلة حماية الطبيعة مرتبطة كلياً بمعرفة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، فإن دراسة هذه العلاقة تقع أساساً على عاتق الجغرافيين الذين يتعاملون مع هذه المسألة بنظرة شمولية تتفهم دور جميع العناصر في البيئة.

العلاقة بين الإنسان والبيئة:

وتولي الجغرافية  أهمية خاصة لدراسة التغير الذي يتعرض له النظام الجغرافي، وشدة هذا التغير وسرعته ومقياسه، ودراسة عواقب التأثير البشري المصطنع، ومعرفة مصادر الملوثات ونوعيتها وتركيبها وانتقالها، خاصة أن العلاقة بين الإنسان والبيئة هي علاقة قديمة جداً، وهذه العلاقة كانت دائماً في مركز اهتمام علم الجغرافية.

استنزاف الموارد الطبيعية:

ولكن هذه العلاقة تعرضت للكثير من التغير عبر الزمن وازدادت تعقيداً بسبب تشابكها وزيادة اتساعها لتأخذ مقياساً عالمياً (كونياً)، ونتائج ذلك أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على الطبيعة وعلى مختلف جوانب الحياة (الاجتماعية والمادية والروحية) للمجتمعات الحديثة، ومن مظاهر هذه المشكلة زيادة استنزاف الموارد الطبيعية، تلوث البيئة، الانفجار الديموغرافي، الجوع وسوء التغذية للعدد الأكبر من سكان العالم وغير ذلك من المظاهر.

وتساعد الجغرافيا في تقديم الحلول المناسبة للكثير من المشكلات البيئية المعاصرة خاصة تلك المشكلات التي يتعرض لها الغلاف الجغرافي، لأن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا من خلال دراسة العلاقات المتبادلة المباشرة وغير المباشرة بين مختلف عناصر الغلاف الجغرافي وأخذها بالحسبان.