تجارب التعليم من بعد والتعليم المفتوح فى مصر.. تحرير الطلاب من شرط الحضور للحرم الجامعى والأخذ بنظام الانتساب مع بقاء شروط القبول ونظام التقويم ودراسة نفس المقررات وزمن الدراسة



تعود بداية التعليم من بعد فى مصر إلى الستينات من القرن الماضى، حيث اتجهت بعض جامعاتنا وخاصة كليات الآداب والتجارة والحقوق إلى تحرير بعض الطلاب من شرط الحضور، للحرم الجامعى، حيث تم الأخذ بنظام الانتساب، ولكن ظلت بقية الالتزامات مطبقة كشروط القبول ونظام التقويم ودراسة نفس المقررات وزمن الدراسة ..الخ.
أما بداية التطوير والبحث عن أنماط جديدة تزيد من التحرر من الشروط السابقة ظهرت فى الثمانينات، حيث أجرى المجلس القومى للتعليم دراسة عن التعليم العالى، أوصى فيها بضرورة الأخذ بنظم التعليم المستمر والجامعات المفتوحة من أجل إتاحة مزيد من الفرص أمام الراغبين فى التعليم الجامعى.
وفى عام 83/1984 بدأت أولى تجارب التعليم من بعد، وذلك لتأهيل معلمى المراحل الابتدائية للمستوى الجامعى، وتميز هذا البرنامج بأنه سبقه دراسة لتحديد حاجات الدارسين، كما تمت هذه التجربة من خلال الشراكة بين كليات التربية ووزارة التربية والتعليم، الا انه يمكن القول بأن هذا البرنامج لا يعمل وفق فلسفة التعليم المفتوح، حيث تم تطبيق العديد من الشروط الخاصة بالالتحاق وتوحيد محتوى المقررات ونمطيتها ومركزية التقويم وتوقيته .. إلخ.
أما البداية الحقيقية لظهور التعليم المفتوح فكانت عام 1990، من خلال جامعتى الاسكندرية والقاهرة، ثم تلاهما بعد ذلك جامعتا عين شمس وأسيوط . وإذا أخذنا نمط التعليم المفتوح المطبق بجامعة القاهرة كنموذج ، فإننا نجده فى أهدافه يركز على التأهيل المهنى، حيث يستهدف الإعداد من أجل الحصول على المؤهل، أو إعادة تأهيل بعض أصحاب التخصصات الأخرى التى لا تجد عملا مناسبا ، ولذا فإنه يرتبط فقط بالبعد الاقتصادى من أبعاد تنمية المجتمع، ولا يهتم بذات القدر ببقية الابعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية لعملية التنمية.
كما أن لوائحه تقيد من فرص الالتحاق به حيث تقصرها على الحاصلين على شهادة المرحلة الثانوية " العامة أو الفنية" ، بالإضافة لقيود أخرى خاصة بسنوات الحصول على الشهادة الثانوية أو معدلات الطالب فيها. كما أن بعض التخصصات يتطلب الالتحاق بها اجتياز بعض الاختبارات الشخصية.
ولا يعتمد تطبيق هذا النظام فى مصر على الشراكة المجتمعية، حيث تنعدم الشراكة بين الجامعة ومؤسسات المجتمع الانتاجية أو الخدمية سواء فى التخطيط لبرامج الدراسة أو فى تحمل بعض تكلفتها، والملاحظ أيضا أن نمط التعليم من بعد والتعليم المفتوح المطبق فى مصر لا يراعى فى إعداد محتوى مقرراته الخبرات التى لدى الدارس من قبل، ولذا نجد أن الكل يتشابه من حيث عدد المقررات التى يدرسها ومحتواها ونظام التقويم وزمن الدراسة، على الرغم من التباين فى الخبرات بين الدارسين قبل الالتحاق، ويعتمد التقويم فيه على الامتحانات التحريرية.
وتؤكد دراسة مصطفى عبد السميع محمد وابراهيم محمد ابراهيم على أن هذا النّمط من التعليم الجامعى كما هو مطبق حاليا لا يساهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، كما تتدنى إلى حد كبير معدلات التخرج منه، بما يؤكد على تدنى الكفاءة الداخلية لهذا النظام. وهذا ما اشارت إليه أيضا دراسة إبراهيم محمد إبراهيم عن التعليم المفتوح بجامعة عين شمس.
وفى عام 2000 أجرى المجلس الأعلى للجامعات دراسة عن تجربة التعليم المفتوح بمناسبة مرور عشرة سنوات عليها، ورصدت هذه الدراسة بعض إيجابيات وسلبيات هذه التجربة، وكان من الايجابيات أن التعليم المفتوح ساعد على تخفيف الضغط على مؤسسات التعليم العالى، وأسهم كذلك فى تخفيف بعض الأعباء التى تقع على خزانة الدولة، نتيجة لتحمل الدارسين في نظام التعليم المفتوح جانبا كبيرا من تكلفة تعليمهم. أما أهم السلبيات التي رصدتها هذه الدراسة فكانت كما يلى:
- قصور عملية تصميم وإخراج المواد التعليمية، فهى فى الغالب – تكرار لمحتوى كثير من مقررات نظام التعليم الجامعى التقليدى، وتتشابه معها كذلك فى طريقة إعداد المادة التعليمية وإخراجها، وتعتمد فى الغالب عملية الإعداد على جهد الأستاذ المحاضر.
- وكثيرا ما يعتمد على طريقة المحاضرات والتى عادة ما تكون مصورة على شرائط فيديو، أو تلقى بالطريقة التقليدية عندما يتجمع الطلاب فى المراكز المخصصة لذلك.
- لا يعتمد على نظام الإرشاد الاكاديمى، على الرغم من أهمية ذلك فى مثل هذه البرامج.
- مركزية الإدارة والإشراف والتقويم.
- اعتماد التقويم على الامتحانات التحريرية.
- العجز فى كثير من الامكانات اللازمة لمثل هذا النظام ، سواء من أعضاء هيئة تدريس مدربة ، أو مبانى مجهزة  ، أو وسائل ووسائط تعليمية.
وفى ضوء ما طرحناه عن تجربتنا فى مجال التعليم المفتوح والتعليم من بعد ، يمكن القول إننا مازلنا فى المراحل الأولى للأخذ بنظام التعليم المفتوح، وأن ما لدينا من صيغ للتعليم المفتوح والتعليم من بعد ما زال يسيطر عليه فكرة الجامعة التقليدية. 
ومن ثم لعمل تطوير حقيقى لتعليمنا الجامعي، للأخذ بنمط التعليم المفتوح والتعليم من بعد، فان هذا يستلزم التأكيد على ما يلى:
1- ان نمط التعليم الجامعى المفتوح والتعليم من بعد له فلسفته وأهدافه ومبررات وجوده، وكل هذا يجعله مختلفاً عن نظام التعليم الجامعى التقليدى فى تنظيمه الإدارى وبنيته الأكاديمية وبرامجه وأساليب وتقنيات التدريس فيه وأساليب تقويم أداء الدارسين، ومن ثم أيضا فى نظم اعتماد شهاداته، ويتوقف نجاحنا على تبنى هذا النّمط على مدى وعينا بذلك.
2- أن نمط التعليم الجامعى المفتوح والتعليم من بعد يتباين فى ظروف نشأته عن التعليم الجامعى التقليدى، فالتعليم التقليدى أصل فكرته جامعة البرج العاجى ، أما نمطي التعليم المفتوح والتعليم من بعد ظهرا داخل المجتمع وارتبطا بعوامل تنميته، وهذا يؤدى بناء إلى القول بأن هذه الصيغ والنماذج تختلف من مجتمع لأخر، وعلينا أن نختار من هذه النماذج ما يناسب ظروف مجتمعنا.
3- يقتضى تحديدنا لما هو ملائم لمجتمعنا من صيغ ونماذج التعليم الجامعى المفتوح والتعليم من بعد ضرورة إجراء دراسات معمقة لواقع احتياجات مجتمعنا من هذا النّمط من التعليم، سواء على مستوى المؤسسات بمختلف انشطتها التنموية، أو على مستوى الأفراد فى مختلف بيئات المجتمع المصرى، مع عدم اغفال الرؤية المستقبلية لتحديد هذه الاحتياجات.
4- لا ينبغى للتعليم الجامعى المفتوح و التعليم من بعد أن يكونا باباً خلفيا للجامعات التقليدية، بحيث يلتحق بهما ذوى المعدلات المنخفضة فى الثانوية العامة، أو من تحول ظروفهم الاقتصادية دون ذلك ، فهذا يضعف كثيرا من مخرجاتها ويقلل من قيمتها الأكاديمية والاجتماعية.
5- ليس من المناسب الاعتماد على الجامعات التقليدية فى العمل على إنشاء مؤسسات التعليم من بعد، بحجة ما تملكه هذه الجامعات من إمكانات مادية وبشرية تؤهلها لذلك، أو حتى يمكنها بهذا التوجه أن تزيد من مصادرها المالية، فهذه الجامعات فى كثير من الأحيان تكون عائقًا امام تفعيل هذا النّمط من التعليم.


المواضيع الأكثر قراءة