تطوير التعليم الجامعي المفتوح عن طريق التوزيع المرن بجامعة جنوب استراليا.. الجامعة من أزمتها الأبستمولوجية ونقلها إلى مراكز الإنتاج المعرفي وتوسيع مدى ونطاق المعرفة التى يكتسبها الفرد



إن الأخذ بمدخل التوزيع المرن سوف يؤدي إلى تطوير التعليم الجامعى من عدة جوانب منها:
  أ- تخلص الجامعة من أزمتها الأبستمولوجية، تلك الأزمة التى ولدها عصر ما بعد الحداثة، ففى هذا العصر ظهر الهجوم على النزعة المفرطة للعقلانية، وبدأ يظهر الاهتمام بالجوانب الأخرى للحياة الفكرية، وخاصة الجوانب الوجدانية والعاطفية والغريزية، وهى الجوانب التى يرى ماكس فيبر Max Weber أن الجانب العقلانى كما تعرفه التقاليد العلمية الصارمة يفشل فى الأخذ بها . ولذا فالانتقال من النظام التقليدى فى التعليم الجامعى إلى النظام الجماهيرى الذى يتسم بالمرونة فى توزيع خدماته وبما يهدف إليه من سعى لتلبية الحاجات المتنوعة لهذه الجماهير قد يولى اهتماما أكبر لهذه الجوانب فوق العلمية Extra Scientific(89).
  ب- نقل الجامعات إلى مراكز الإنتاج المعرفي والتى توجد الآن بدرجة أكبر فى  شركات المعلومات والاعلام، و يساعد هذا على المزج بين ما تقدمه الجامعات من معرفة أكاديمية تدور حول النظريات والمفاهيم والتفسيرات مع المعرفة الرمزية المتداولة الآن والتى تنتجها شركات المعلومات، مما  يزيد من فرص الابداع، ويضبط حركة الإنتاج الرمزى ويوجهها لصالح الإنسانية.
  ج- توسيع مدى ونطاق المعرفة التى يكتسبها الفرد، فإذا كان النظام التقليدى للتعليم الجامعى يركز على المعرفة الأكاديمية الموضوعية والمنهجية، فإن مدخل التوزيع المرن بتوسيعه لبيئة التعلم ومصادره يسمح للفرد باكتساب جانبا آخر من المعرفة وهى المعرفة الضمنية، وهى نوع من المعرفة التى لا يمكن ترجمتها بسهولة إلى معرفة أكاديمية ، وتكتسب من خلال المعايشة والتقليد والمحاكاة ولا تقل عن المعرفة الأكاديمية  كمصدر ابداع، ولعنا وبمراجعة نظرية الإدارة اليابانية "نظرية Z " نجد حرص المؤسسات اليابانية على تفعيل هذا المصدر المعرفى المهم وتوفير المناخ المناسب له . و انعكس ذلك على التعليم الجامعى اليابانى ، فالجامعات اليابانية تعطي أهمية كبيرة لما يتم من تعليم خارج الحرم الجامعى، وخاصة التعليم الذى يتم من خلال مواقف يتوافر فيها الاحتكاك والتفاعل والممارسة.
د- تغير نوعية ومضمون القيم التى تؤكد عليها العملية التعليمية، فالتعليم الجامعى باساليبه التدريسية وبمعايير التقويم ونظم الامتحانات فيه يؤكد على قيم التنافس والفردية فى الاداء وسرية المعرفة، بينما طبيعة العملية التعليمية فى ظل مدخل التوزيع المرن تدفع لتبنى قيم المشاركة والتعاون وتبادل الخبرات.
ويتضح من خلال ما عرضناه أهمية وحيوية هذا المدخل فى نشر التعليم الجامعى، وتأكيده على المبادئ العامة التى أعلنتها اليونسكو تعلم لتعرف – تعلم لتعمل – تعلم لتكون، لتعلم لتعيش مع الآخرين.
إلا أن ما ينبغى أن نؤكد عليه أنه ما يزال هذا النّمط من التعليم يواجه بتحديات صعبة، لعل أكثرها صعوبة ما يتعلق بنظام الاعتماد Accreditation، فإذا كانت سمات التعليم الجامعى التقليدى بصيغته المغلقة وبأهدافه المحدودة ساعدت المسئولين عنه إلى حد ما فى الوصول إلى تحديد مجموعة من المعايير لاعتماد مخرجاته . فمثل هذه المعايير لا يمكن تطبيقها فى نظام التعليم الافتراضى أو مؤسسات التعليم المفتوح أو التعليم عن بعد.
وعادة ما تواجه عملية تحديد معايير الاعتماد فى هذه النظم المستحدثة بعدة استفسارات وتساؤلات منها:
* كيف يمكن لنا أن نحدد ما إذا كان المقرر المقدم من خلال الشبكة أو مقدم من بعد يكافئ المقرر المقدم فى النظام التقليدى ، بالرغم من الاختلاف بينهما فى المحتوى والبنية؟
* من الذى يمكنه أن يعتمد جامعة ليس لها حرم طبيعى محدد؟
* وحتى عندما تكون الجامعة لها حرم طبيعى ومنشأت، فكيف يتم الاعتماد وطلابها ليس لهم وجود ملموس داخل الحرم الطبيعى للجامعة؟
لقد انقسمت آراء التربويين فمنهم من يرى بأن نظم الاعتماد المتبعة حاليا فى النظام التعليمى التقليدى، مع عمل بعض التعديلات، يمكن أن يناسب هذه الصيغ المستحدثة، فالمعايير الحالية على قدر من المرونة تسمح بذلك، بينما هناك رأى أخر يؤكد على أن شدة التباين فى الفلسفة والأهداف بين نمط التعليم التقليدى والأنماط المستحدثة من تعليم مفتوح وتعليم من بعد تجعلنا نؤكد عدم ملائمة معايير الاعتماد الحالية.