بخصوص التكوين المستمر فإن الأمر يتعلق بمجموع الوسائل والإمكانات (المعرفية والمهاراتية) الموضوعة رهن إشارة المتعلمين، كيفما كان مستواهم الاجتماعي والمهني لكي يتابعوا التكوين، بغرض تطوير قدراتهم وكفاياتهم.
فهو بمثابة تحيين للمعارف وتنمية لروح البحث كضمانة للإرادة في التقدم وفي إغناء المعلومات حول المضامين والمناهج البيداغوجية وتبادل الآراء حول التجارب وتغيير التخصصات إن أمكن ذلك.
ويلاحظ الباحث الفرنسي جي جورج Guy Georges في نص له بعنوان: "أي مدرسين لأي نظام تربوي؟" بأن أهمية التكوين المستمر تتمثل في استجابته للحاجات البيداغوجية والمعرفية والمجتمعية (مثلا، الحاجة إلى إصلاح المنظومة التربوية).
وتبرز هذه الأهمية عبر مجموعة من المقتضيات التي تتلخص في: تجديد المعارف والكفايات الضرورية لممارسة مهنة ما وتعزيز قابلية التطور لدى الشخص، لأن التكوين المستمر عملية منفتحة بشكل دائم.
وبذلك، فهو يساهم في تطور النظام التربوي وفي دعم سياسة التجديد والإصلاح التي يجب أن تكون مستمرة بدورها.
ونحن نجد صدى لهذه الحقيقة، في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث تم التنصيص على أن التكوين المستمر، كعملية تربوية ومعرفية، يروم تنمية الكفايات المهنية والمؤهلات الشخصية وتحيين المعارف وتعميقها وتعزيز القدرة التنافسية في مختلف الميادين، كشرط أساسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي، لأن اكتساب كفايات جديدة وتكييف المهارات وتحيينها وإعادة التكوين، تمكن المستفيدين من التأقلم مع التحولات الطارئة في أنماط وتقنيات الإصلاح.
وكما هو معلوم، فإن التكوين المستمر وثيق الصلة ببيداغوجيا الراشدين وهي البيداغوجيا التي تهدف إلى تنمية المعارف والمواقف والقدرات لدى هؤلاء الراشدين، حتى يتسنى لهم ممارسة دورهم داخل المجتمع، بطريقة نقدية وفعالة.
وهذا الربط بين نمو المعارف والاستعدادات والمواقف من جهة، وممارسة الدور الاجتماعي النقدي من جهة أخرى، هو الذي يعمق الوعي بحاجيات الواقع ويسمح بإدراك رهانات المستقبل.
وهنا تطرح مسألة تكوين المدرسين والدور الذي يمكن أن تلعبه المدارس العليا في هذا الإطار.