جمعيات الآباء بين الطموح والواقع: تحليل لفعالية دور جمعيات أولياء التلاميذ في المدارس وأثر غياب الإرادة السياسية على شراكتهم التعليمية

جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ: بين الأهداف الطموحة والواقع الصعب

تُعدّ جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ جزءاً لا يتجزأ من الهيكل التنظيمي للمؤسسات التعليمية في المستويات الابتدائية، الإعدادية، والثانوية. تهدف هذه الجمعيات، من حيث المبدأ، إلى إقامة جسر فعال بين البيت والمدرسة، وتعزيز الشراكة التي تُسهم في تحسين جودة التعليم ورفاهية التلاميذ. ومع ذلك، فإن الواقع الفعلي لهذه الجمعيات غالباً ما يختلف عن الأهداف المعلنة، مما يُعيق تحقيق إمكاناتها الكاملة.


الأهداف المعلنة لجمعيات الآباء: طموح الشراكة

تُؤسس جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بهدف تحقيق مجموعة من الغايات النبيلة التي تُركز على خدمة التلميذ والمؤسسة التعليمية. هذه الأهداف، وإن كانت غير دقيقة أو واضحة بشكل كافٍ في بعض الأحيان، تُشكل الإطار النظري لعمل الجمعية:

  • البحث عن كل ما يُعَدُّ بالمنفعة للتلميذ (مادية، معنوية، تثقيفية): هذا الهدف واسع وشامل، ويهدف إلى تحسين الظروف العامة للتلميذ في جميع الجوانب. يشمل ذلك السعي لتوفير الدعم المادي للمحتاجين، وتقديم الدعم المعنوي والنفسي، وتنظيم الأنشطة التثقيفية والترفيهية التي تُثري تجربته التعليمية وتُنمّي مهاراته.
  • المشاركة في إنجاح المؤسسات التربوية: يُفترض أن تُسهم الجمعية في دعم المؤسسة التعليمية بشتى الطرق، سواء من خلال المساعدة في تحسين البنية التحتية، أو دعم الأنشطة المدرسية، أو حتى المشاركة في صياغة الرؤى التربوية التي تُعزز من مكانة المدرسة ودورها.
  • تسهيل الاتصال بين الآباء والسلطات المحلية: تُعتبر الجمعية قناة للتواصل الفعال بين أولياء الأمور من جهة، وإدارة المدرسة والسلطات التعليمية المحلية (مثل النيابة أو المديريات الإقليمية) من جهة أخرى. هذا يهدف إلى تيسير تبادل المعلومات، نقل الشكاوى والمقترحات، ومعالجة المشكلات بشكل جماعي ومنظم.
  • تقديم مطالب في شأن عدة نقاط والعمل على تحقيقها: تُمنح الجمعية صلاحية تمثيل أولياء الأمور في تقديم المطالب المتعلقة بتحسين ظروف التعليم، أو حل المشكلات المستجدة، أو الدفاع عن حقوق التلاميذ، والعمل على متابعة هذه المطالب حتى تتحقق.

واقع جمعيات الآباء: فجوة بين الطموح والتطبيق

على الرغم من هذه الأهداف الواعدة، فإن الواقع العملي لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ يُشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الطموح والتطبيق، مما يُقلّل من فعاليتها:

  • غطاء لجمع الانخراطات المرتبطة بالتسجيل: في كثير من الأحيان، تتحول الجمعية إلى مجرد واجهة لجمع الانخراطات المالية من التلاميذ، وليس من أولياء أمورهم بالمعنى الحقيقي. فعملية دفع الانخراط تُصبح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإجراءات تسجيل التلاميذ في بداية السنة الدراسية، مما يُفقدها طابع التطوع والاختيار الحر. هذا الارتباط يُحوّل الانخراط إلى شبه "رسوم مدرسية" غير رسمية، ويُفقد أولياء الأمور الإحساس بأنهم أعضاء فاعلون في الجمعية.
  • عمل منحصر في إصلاح المرافق: ينحصر الدور الرئيسي للجمعية، بعد جمع الانخراطات، في صرف هذه المداخيل على إصلاح وصيانة مرافق المؤسسة التعليمية. فغالباً ما تُستخدم الأموال لإصلاح الفصول الدراسية، أو دورات المياه، أو الملاعب، أو توفير بعض التجهيزات الأساسية. ورغم أهمية هذه الإصلاحات، إلا أنها تُقلص دور الجمعية إلى مجرد "صندوق دعم مادي" للبنية التحتية، بدلاً من دورها الشامل في الشراكة التربوية.
  • المشاركة الشكلية في المجالس والأنشطة المحدودة: في أقصى حدود النشاط، تُشارك بعض الجمعيات بصفة شكلية في مجالس الأقسام، حيث يحضر ممثلون عنها دون تأثير حقيقي في القرارات التربوية أو تقييم أداء التلاميذ. كما قد تُنظّم بعض الجمعيات رحلات ترفيهية لفائدة التلاميذ أو حفلات في آخر السنة الدراسية. هذه الأنشطة، وإن كانت مفيدة، تُظل هامشية مقارنة بالأهداف الشاملة المرسومة للجمعية.

العزلة عن أولياء الأمور ودور مدير المؤسسة:

تُعاني مكاتب هذه الجمعيات من عزلة تامة عن القاعدة الواسعة لأولياء الأمور. فبعد عملية انتخاب المكتب (التي غالباً ما تكون محدودة المشاركة)، تنقطع الصلة تماماً بين المكتب والآباء، ولا تُعقد اجتماعات دورية، ولا تُشرك القاعدة في اتخاذ القرارات، مما يجعل الجمعية تُدار بمعزل عن من تُمثلهم. هذا يُعزز من شعور أولياء الأمور بأن دورهم ينتهي بمجرد دفع الانخراط.

وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن مدير المؤسسة يُصبح هو المسير غير المباشر لأنشطة الجمعية. فهو من يُعدّ قائمة الحاجيات الضرورية للمؤسسة (مثل إصلاح سقف، أو شراء تجهيزات)، ثم يُقدمها لمكتب الجمعية ليقوم بتنفيذ الإصلاحات أو المشتريات من مداخيل الانخراطات. هذا النمط من العمل يُحوّل الجمعية إلى ذراع تنفيذية لإدارة المؤسسة، بدلاً من أن تكون شريكاً مستقلاً وفاعلاً في التخطيط والتنفيذ.


تحديات تجاوز الحدود والبحث عن الإرادة السياسية:

أي اجتهاد من قبل الجمعية أو أفرادها يتجاوز هذه الحدود الضيقة التي ذُكرت (جمع الانخراطات، الإصلاحات، المشاركة الشكلية، التسيير غير المباشر من المدير) يكون مصيره الفشل. بل قد ينتج عنه صراعات واصطدامات سواء على صعيد المؤسسة التعليمية مع الإدارة، أو على صعيد النيابة (المديرية الإقليمية). هذا يُشير إلى أن هناك سقفاً غير معلن لدور الجمعيات، وأي محاولة لتجاوزه تُقابل بالمقاومة.


جذر المشكلة: غياب الإرادة السياسية الحقيقية

يُشير النص بوضوح إلى أن الفشل في مد جسور حقيقية وقوية بين المدرسة وأولياء الأمور لا يرجع فقط إلى قصور في الأفراد أو سوء نية، بل مصدره الأساسي هو عدم توفر الإرادة السياسية الهادفة والمدركة لطبيعة المشاكل، والتي تُؤمن بضرورة إشراك الآباء كشركاء فاعلين في حل هذه المشكلات.

  • نقص الإدراك لطبيعة المشاكل: قد لا تُدرك الجهات المسؤولة بشكل كافٍ أن المشاكل التعليمية تتجاوز الجوانب البيداغوجية والإدارية البحتة، وأنها تتأثر بعمق بالبيئة الأسرية ودعم أولياء الأمور.
  • غياب الإيمان بضرورة الإشراك: قد لا يوجد إيمان حقيقي بأن أولياء الأمور يمكن أن يُقدموا قيمة مضافة حقيقية تتجاوز الدعم المادي، وأن مشاركتهم الفعالة في اتخاذ القرارات وتحديد الأولويات ضرورية لإصلاح المنظومة التعليمية.
  • المركزية والتحكم: قد تكون هناك رغبة في الاحتفاظ بالتحكم المركزي في شؤون التعليم، وتجنب مشاركة الأطراف المجتمعية التي قد تُطالب بالمزيد من الشفافية والمساءلة.

خاتمة:

إن تفعيل دور جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ يتطلب مراجعة جذرية للمقاربة الحالية. يجب أن تتحول هذه الجمعيات من مجرد أدوات لجمع الأموال أو واجهات شكلية إلى كيانات حقيقية للمشاركة المجتمعية الفعالة. هذا لن يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية واضحة تُؤمن بقيمة الشراكة، وتُقدم الدعم اللازم لتمكين أولياء الأمور، وتُغير من النظرة التقليدية لدورهم، ليُصبحوا شركاء حقيقيين في بناء مستقبل تعليمي أفضل لأبنائهم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال