الشراكة المجتمعية والتعليم: كيف يُمكن لإشراك أولياء الأمور والمجتمع المحلي أن يُعزّز تمدرس الفتيات ويُحسن جودة التعليم في المدارس

نحو شراكة تعليمية حقيقية:

إنَّ الارتقاء بالمنظومة التعليمية وتحقيق مبدأ الإنصاف في التربية والتكوين يتجاوز أسوار المدرسة ليشمل تفاعلاً عميقاً وفعّالاً مع المجتمع المحلي وأولياء الأمور. هذا التوجه، الذي يُشدّد عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، يهدف إلى التغلب على العقبات التي تحول دون تمدرس الفتيات في البوادي، ويعزّز من جودة التعليم بشكل عام، عبر إشراك كافة الأطراف المعنية في صيرورة العملية التعليمية.


تمدرس الفتيات في البوادي: أولوية تتطلب جهوداً خاصة

يُقرّ الميثاق الوطني للتربية والتكوين (المادة 29) بأهمية بذل "مجهود خاص لتشجيع تمدرس الفتيات في البوادي". هذا التأكيد يعكس وعياً بوجود عقباتٍ ثقافيةٍ، اجتماعيةٍ، واقتصاديةٍ ما زالت تحول دون وصول الفتيات في المناطق الريفية إلى التعليم بشكل كامل ومستدام. للتغلب على هذه العقبات، يتعين:

  • دعم خطة التعميم ببرامج محلية إجرائية لصالح الفتيات: لا يكفي مجرد سن القوانين أو إطلاق المبادرات العامة، بل يجب تطوير برامج عملية ومُفصّلة تُراعي خصوصية كل منطقة ريفية، وتستهدف الفتيات بشكل مباشر لسد الثغرات التعليمية.
  • تعبئة الشركاء كافة: يشمل ذلك تضافر جهود كل من المدرسين والمدرسات الذين يُعتبرون الركيزة الأساسية في العملية التعليمية، والأسر باعتبارها الحاضن الأول للطفل، والفاعلين المحليين من جمعيات المجتمع المدني والقيادات المحلية، والذين يمتلكون المعرفة بالواقع المحلي والقدرة على التأثير في مجتمعاتهم.

استراتيجيات التعليم المرتبطة بالواقع المحلي ودور الفصل المتنوع:

لضمان أن يكون التعليم ذا صلة ومُحفّزاً للتلاميذ، تُشير المبادئ التربوية الحديثة إلى أن "استراتيجيات التعليم التي تُمنح من الحياة اليومية للأطفال ومن مجتمعهم المحلي يمكن أن تُضاعف من فهمهم وبالتالي من ملازمتهم للدراسة". عندما يرى الأطفال ارتباطاً مباشراً بين ما يتعلمونه في المدرسة وواقعهم المعيشي وثقافتهم، يزداد اهتمامهم ومشاركتهم.

وعليه، يُصبح "فصل دراسي متنوع بمثابة المختبر المثالي" الذي يُمكن في فضائه مساعدة التلاميذ على التحصيل والعمل بفعالية ضمن إطار من التعاون. يتم ذلك من خلال:

  • الحث على احترام الاختلافات والمنظورات المتعددة: يُصبح الفصل مكاناً آمناً لتبادل الآراء والتجارب المختلفة، مما يُعزّز التفكير النقدي ويُنمّي روح التسامح والانفتاح.
  • إشراك التلاميذ في تحسين الإنصاف وجودة التعلم: تُمكن بعض التقنيات التربوية المعلمين والمعلمات من إشراك تلاميذهم في تقييم وتحسين الإنصاف داخل القسم، وفي تحسين جو التعلم العام. وهذا ينمّي لديهم حس المسؤولية والانتماء للمجتمع المدرسي.

لتطبيق هذه التقنيات، سيعمل المشاركون في التكوين على لعب أدوار تطبيقية لبعض الأدوات مثل:

  • خارطة المسلك المدرسي (School Path Map): أداة تُستخدم لتتبع مسار التلاميذ اليومي إلى المدرسة وتحديد العقبات التي قد يواجهونها (مثل بُعد المسافة، عدم الأمان).
  • يومية الأنشطة (Activity Log): أداة لتسجيل الأنشطة اليومية للتلاميذ خارج المدرسة، مما يُساعد المعلمين على فهم سياق حياتهم وتحدياتهم.
  • البحث التدخلي (Action Research): منهجية بحثية تُمكن المعلمين من تحديد مشكلات معينة في الفصل أو المدرسة، ثم تطوير حلول عملية واختبارها وتقييم فعاليتها بالتعاون مع التلاميذ.

تهدف هذه الأدوات إلى تشكيل الاستعدادات الأساسية الضرورية للمواظبة ومواصلة التعلم، وخاصة لدى الفتيات والفئات غير المحظوظة.


إشراك أولياء الأمور: تجاوز الأدوار التقليدية نحو الشراكة الفاعلة

خلال العقود الأخيرة، ظهر اعتراف متزايد وشبه جماعي لدى العاملين بالحقل التربوي بأهمية وضرورة إشراك الآباء والأمهات والأهالي عموماً في صيرورة العملية التعليمية بكل مكوناتها. هذا الإشراك يجب أن يتجاوز الأدوار التقليدية المتمثلة في:

  • جمع التبرعات المتواضعة: لا يجب أن يكون الهاجس والهدف الوحيد لجمعيات الآباء هو جمع الأموال للإصلاحات الطفيفة.
  • الإصلاح الطفيف لبعض التجهيزات التحتية: رغم أهمية هذه الإصلاحات، إلا أنها تُقلل من دور الآباء كشركاء تربويين.

الواقع أن أنشطة مشاركة الآباء "قد تستطيع أنشطة مشاركة الآباء تجميع الكثير من الموارد المالية ولكن ينبغي أن لا يكون هذا هو الهاجس والهدف الوحيد الذي يحكم استراتيجيات إشراك السكان". فالأهم من الموارد المالية هو رأس المال الاجتماعي والمعنوي الذي يُقدمه الآباء:

  • خطر طلب المساهمات المالية بدون مشاركة في التسيير: إن طلب مساهمات مالية من الآباء دون منحهم حق المشاركة الفعلية في التسيير المدرسي يُؤدي إلى رد فعل سلبي. سيكون رد فعلهم السريع هو التراجع عن المشاركة وسحب أبنائهم من المدرسة، خصوصاً حين يتبين لهم أن جودة الأداء التربوي لا تستجيب لتوقعاتهم، أو أن مساهماتهم لا تُحدث فرقاً ملموساً.

قوة الانخراط المجتمعي في تحسين جودة التعليم:

من جهة أخرى، فإن "للمجموعة السكانية، التي تساهم بفعالية في تسيير مؤسسة تربوية – سواء تعلق الأمر بروض أو مدرسة ابتدائية أو إعدادية – إمكانات متعددة لتكييف الخدمات التربوية لحاجات أطفالها، كما أن لها رغبة أكبر في الأداء الفعال لتلك المؤسسة" (تقرير اليونيسف عن وضعية الأطفال في العالم، 1999). هذا يُسلط الضوء على أن:

  • المشاريع الناجحة تنبع من الحاجات المحلية: يتوفر كل مشروع على حظوظ كبرى للنجاح إذا كان ينبني على الحاجات التي عبّر عنها السكان أنفسهم.
  • دور رئيسي للمجتمع في التنفيذ والمتابعة والتقويم: نجاح المشروع يزداد إذا كان للمجموعة السكانية دور رئيسي في تنفيذه، في متابعته، وفي تقويمه. هذا يُعزز من الشعور بالملكية والالتزام.

وعليه، فإن "انخراط المدارس في المجتمعات المحلية وكذلك انخراط المجتمع المحلي في المدارس يصبحان معبرين من شأنهما تحسين تعلم التلميذ(ة) وجعل التعليم أكثر فاعلية وجودة". وهذا يحدث لأن انخراط الفعاليات المحلية في تدبير المدرسة ومساعدتها يزيد من قدرتها على أداء مهامها بشكل أفضل.


الانفتاح المتبادل: فوائد متعددة للطرفين

هذا الانفتاح المتبادل بين المدرسة والمجتمع المحلي يُمكن أن تعم فوائده على الطرفين:

  • للمدرسة: تُصبح أكثر قدرة على أداء مهامها من خلال الدعم المادي والمعنوي والاجتماعي. كما تُصبح "مضيافة" و"ذات وجه إنساني" عبر تحسين ظروفها المادية وجمالية فضاءاتها (مثل العناية بالفضاء المدرسي، توفير المطاعم، المراحيض، الماء، والكهرباء).
  • للمجتمع والآباء: يُصبح أعضاء الجماعة وجمعيات الآباء مشاركين بشكل فعال في حياة المدرسة، مما يُعزز شعورهم بالانتماء للمؤسسة التعليمية ويُمكنهم من المساهمة المباشرة في مستقبل أبنائهم.

الميثاق الوطني يؤكد: مسؤولية الآباء في التربية والتدبير المشترك

يُشدّد الميثاق الوطني للتربية والتكوين (المادة 16) على هذه الشراكة، مؤكداً على أن:

  • "التربية ليست وقفاً على المدرسة وحدها، وبأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى": يُذكّر الميثاق بأن دور الأسرة أساسي في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح، وفي مسارهم الدراسي والمهني اللاحق.
  • "واجب العناية والمشاركة في التدبير والتقويم": على الآباء والأولياء واجب حقيقي تجاه المؤسسة المدرسية في العناية والمشاركة في التدبير والتقويم وفق مقتضيات الميثاق.
  • "واجب الشفافية والديمقراطية والجدية في التنظيم والانتخابات والتسيير": يُطالب الميثاق جمعيات الآباء والأولياء بالشفافية والديمقراطية والجدية لتوسيع قاعدتها التمثيلية، لتكون بحق "محاوراً وشريكاً ذا مصداقية ومردودية في تدبير المؤسسات التربوية وتقويمها والعناية بها".

لا شك أن هذا يتطلب من جمعيات الآباء وأولياء التلاميذ أن يكونوا مشاركاً متحمساً وشريكاً فاعلاً. وهذا يتحقق بقدر ما يكون أعضاؤها على اطلاع ودراية بفوائد المدرسة وآثارها، وبقدر ما يكونون واعين بأهمية الحرص على الإنصاف في تربية أبنائهم وبناتهم.


أهداف العمل على تعزيز الشراكة والإنصاف:

لتحقيق هذه الرؤية الشاملة، يجب العمل على الأهداف التالية:

  1. القيام بأبحاث تدخلية: حول المشاكل التي تُعيق احتفاظ المدرسة بالتلاميذ والتلميذات، وإنهاء التعلم لدى الفتيات والفئات غير المحظوظة.
  2. اعتماد أدوات عمل وخطط ومقاربات مبتكرة: تعمل على تحسين الإنصاف والرفع من فعالية التعليم والتعلم، واختبارها ميدانياً.
  3. التدرب على أدوات البحث التدخلي: مثل رسوم تمثيلية، وضع خرائط، يومية الأنشطة، وجداول المشاكل والحلول.
  4. تجميع معلومات عن المدرسة: لتقدير تأثيرات المحيط المدرسي على مشاركة الفتيات والاحتفاظ بهن.
  5. تجميع بيانات عن المجتمع المحلي: للكشف عن المشاكل ذات الصلة بالمدرسة واستكشاف الإمكانيات والموارد المتاحة لحلها.
  6. تحليل مفهوم الإنصاف من وجهة نظر الآباء والأمهات: وتحسيسهم بدورهم في جعل المدرسة فضاءً مضيافاً ومحفزاً للجميع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال