كان العرب في عصر ما قبل الإسلام يقدرون الوفاء بالعهد، وكان هذا الخلق الكريم فيهم كالعقيدة، يرون التحلل منه إثما وجرما في حق الشرف والأخلاق، فهم كثيرا ما يحتاجون إلى الاحتماء بالجوار، أو النصرة بالحلف، وهم قوم رحل، ليس لهم حكومة منظمة، ولا قوانين مرسومة، ولا قوة منفذه، ولا محاكم ولا شرطة.
ولذلك كانت كلمة الشرف، والوعد الصادق، هي القانون الذي يقدسه كل عربي، ويحرص على احترامه والخضوع له، حرصا على مصلحته الخاصة، وعلى العدالة العامة في المجتمع.
فإذا وعد أحدهم وعدا أوفى به، وأوفت معه قبيلته، حتى لا يعرف بالغدر، وفي ذلك سبة الدهر، وعار الأبد.
والحديث عن وفاء العربي في ذلك العصر يطول الحديث عنه، بيد أنني سأكتفي ببعض من ضرب المثل بوفائه، ومنهم السموأل، الذي أبى أن يسلم الحارث بن أبي شمر الغساني دروع امرئ القيس التي أودعها عنده، وتحصّن في قصره بتيماء، فهدده الحارث بقتل ابن له، فلم يزد ذلك السموأل إلا إصرارا، فضرب الحارث "وسط " الغلام بالسيف، وفي ذلك يقول السموأل:
وفيت بذمة الكندي اني -- إذا ما ذم أقوام "وفيت"
وقد امتدح الأعشى وفاء السموأل، فقال:
كن كالسموأل إذ سار الهمام له -- في جحفل كسواد الليل جـرار
جار ابن حيا لمن نالتـه ذمته -- أوفى وأمنع من جار ابن عمار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله -- حصن حصين وجار غير غدار
إذ سامه خطتي خسف فقال له: -- اذبح هديك إني مانـع جاري
إلى أن يقول:
فقـال تقـدمـة إذ قـام يقتلـه -- أشرف سموأل فانظر للدم الجاري
فشك أوداجه والصدر في مضض -- عليه منطـويا كـاللـذع بالنـار
واختار أدراعه أن لا يسب بهـا -- ولم يـكن عهـده فـيها بختـار
وقال: لا أشتري عـارا بمكرمـة -- فاختـار مكرمة الدنيا على العار
التسميات
قيم إنسانية في الشعر الجاهلي