الهيدروجيولوجيا في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية: ثروة المياه الجوفية وتحديات الاستدامة
تُشكل المنطقة الشرقية من إقليم شبه الجزيرة العربية، الواقعة إلى الشرق من الدرع العربي، محورًا هيدروجيولوجيًا فريدًا، يتميز بوجود أنظمة مائية إقليمية ذات امتداد واسع. تُعدّ هذه الأنظمة الجوفية الضخمة ركيزة أساسية للحياة والتنمية في المنطقة، وتُقسم بشكل عام إلى نظامين رئيسيين يضمان تكوينات جيولوجية متعددة، تُخزن كميات هائلة من المياه الجوفية. فهم هذه الأنظمة وتحدياتها أمر بالغ الأهمية لضمان استدامة الموارد المائية في هذه المنطقة القاحلة.
الأنظمة المائية الجوفية الرئيسية في المنطقة الشرقية
تتميز المنطقة الشرقية بوجود نظامين هيدروجيولوجيين متميزين:
أ. نظام الطبقات الرملية القارية:
يُعدّ هذا النظام من أقدم وأهم مستودعات المياه الجوفية في المنطقة، ويضم تكوينات جيولوجية تعود إلى الحقب الأول (الباليوزوي) والثاني (الميزوزوي)، وتتميز بكونها صخورًا رملية عالية المسامية والنفاذية. من أبرز هذه التكوينات:
تكوين الساق (الكمبري):
- الامتداد والأهمية: يُعتبر تكوين الساق أحد أهم المستويات المائية ضمن مجموعة الصخور الرملية القارية. يمتد على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 1200 كيلومتر على محاذاة الدرع العربي، بدءًا من الأراضي الأردنية شمالاً، ويمتد جنوبًا وشرقًا إلى المملكة العربية السعودية. تبلغ مساحة تكشفاته السطحية حوالي 65,000 كيلومتر مربع.
- الخصائص الهيدروجيولوجية: يتألف هذا الحوض بشكل أساسي من الأحجار الرملية المتجانسة، ويتميز بوفرة مياهه وعذوبتها. تُظهر الآبار المحصورة في هذا التكوين إنتاجية عالية تصل إلى أكثر من 100 لتر في الثانية، وبعضها آبار ارتوازية (تدفقية) ترتفع مياهها بشكل طبيعي لتصل أحيانًا إلى حوالي 120 مترًا فوق سطح الأرض في منطقة القصيم، مما يُقلل من تكاليف الضخ.
- العمق والملوحة: تُقدر سماكة تكوين الساق بحوالي 600 مترًا، وتتراوح أعماق الآبار فيه ما بين 150 و 1500 متر. نوعية المياه جيدة بشكل عام، وتتراوح ملوحتها ما بين 0.50 و 1.5 جرام لكل لتر، مما يجعلها مناسبة للاستهلاك البشري والزراعة.
تكوين الوجيد (الكمبري-الأوردوفيسي):
- يُقابل تكوين الساق في الأجزاء الجنوبية من المملكة العربية السعودية. تتراوح سماكته ما بين 400 و 430 مترًا.
- خصائص المياه: مياهه عذبة وآباره عادة ما تكون متدفقة (ارتوازية). تتراوح تصاريفها ما بين 5 و 40 لترًا في الثانية، وقد تصل إلى 80 لترًا في الثانية في بعض الأحيان. تتراوح ملوحة مياهه ما بين 0.7 و 1 جرام لكل لتر. مستوى المياه الجوفية يتراوح غالبًا ما بين 90 و 100 متر تحت سطح الأرض، ودرجة حرارة مياهه ما بين 29 و 55 درجة مئوية.
تكوين تبوك (الأوردوفيسي-الديفوني):
- يعقب تكوين الساق ويتكون أيضاً من الأحجار الرملية. يُشابه الساق في معظم خصائصه الهيدروجيولوجية.
- الامتداد والسماكة: تمتد تكشفاته من جنوب الأردن إلى جنوب القصيم في المملكة العربية السعودية، وتصل سماكته إلى 1070 مترًا في بلدة تبوك.
مجموعة الصخور الرملية العائدة للحقب الثاني (الكريتاسي):
- تحتوي هذه المجموعة على ثلاثة مستويات مائية هامة تتكشف في أواسط الجزيرة العربية وفي مساحات محدودة نسبيًا:
- تكوين المنجور (الكريتاسي العلوي): يبلغ متوسط سماكته 360 مترًا، ويتواجد على أعماق تتراوح بين 1200 و 1400 متر. يتكون أساسًا من الأحجار الرملية، ومياهه قد تكون تدفقية في بعض الأحيان. تُنتج آباره ما بين 40 و 55 لترًا في الثانية في منطقة الرياض، وتتراوح نوعية المياه ما بين 0.4 و 1.2 جرام لكل لتر، وقد تصل إلى 5.8 جرام لكل لتر بالقرب من الهوار.
- تكوين البياض وتكوين الوسيع (الكريتاسي الأسفل والأوسط): يُشكلان وحدة هيدروجيولوجية رملية قارية المنشأ في مناطق التكشف.
- تبلغ أقصى سماكة لتكوين البياض والوسيع 625 مترًا في الجنوب وتتناقص باتجاه الشمال. يُعتبر هذا التكوين مرتفع الإنتاجية، وتصل تصاريف آباره إلى 40 لترًا في الثانية. تتراوح ملوحته ما بين 1.5 و 6 جرام لكل لتر.
- يبلغ سمك تكوين الوسيع وحده حوالي 200 متر، وتتراوح إنتاجية آباره ما بين 50 و 60 لترًا في الثانية. مستوى الماء الساكن فيه يُقدر بـ 185 مترًا تحت سطح الأرض. في منطقة الهفوف، يُنتج الوسيع ما بين 130 و 170 لترًا في الثانية، ويعطي مياهًا متدفقة.
الموارد غير المتجددة والتغذية المحدودة: تُعتبر تكوينات الساق، تبوك، الوجيد، والمنجور من الطبقات المائية التي لا تملك نظامًا هيدروديناميكيًا واضح المعالم. مناطق صرفها غير معروفة، ومواردها غير متجددة إلا بمقدار ضئيل جدًا. هذا يُشير إلى طبيعتها كـ"مياه أحفورية" تكونت عبر آلاف السنين، وتتطلب إدارة حذرة للاستدامة.
حركة وتغذية وصرف مياه الوسيع والبياض: تتجه حركة المياه الجوفية في تكويني الوسيع والبياض من أواسط شبه الجزيرة العربية شرقًا وشمالًا باتجاه سواحل الكويت وقطر والبحرين. وفي منطقة الربع الخالي، تتجه حركة المياه الجوفية نحو دولة الإمارات العربية المتحدة. تتم تغذية مياه هذين التكوينين بشكل أساسي عن طريق رشح مياه الأمطار ومياه الوديان. تُصرف مياه الوسيع والبياض في الخليج العربي والسبخات المنتشرة على سواحل الخليج.
ب. مجموعة الصخور الكربوناتية:
تُعود هذه المجموعة إلى الحقبين الثاني (الميزوزوي) والثالث (السينوزوي)، وتُعدّ مستودعًا مهمًا للمياه الجوفية، خاصة في المناطق الشرقية. من أهم تكويناتها:
- تكوين أم الرضمة (الباليوسين):
- الامتداد والأهمية: يتمتع هذا التكوين بأهمية هيدروجيولوجية بالغة، ويمتد على مساحات واسعة من الإقليم. يتكشف في ظفار وحضرموت وشرق اليمن، ثم يختفي تحت رمال الربع الخالي والمناطق الشرقية والشمالية الشرقية من المملكة العربية السعودية وصحراء عمان وظفار ودولة الإمارات، ويعود التكشف ثانية في العراق والأردن وسوريا.
- الخصائص: يتكون أساسًا من الأحجار الجيرية والدولوميت. يُسهم وجود الشقوق والتجاويف في هذا التكوين في ارتفاع نسبة نفاذيته بشكل كبير. يبلغ أقصى سمك له حوالي 700 مترًا.
- الإنتاجية ونوعية المياه: يتوقف إنتاج طبقة أم الرضمة على مدى تجانس الطبقة والشقوق الموجودة ودرجة الانحلال عبر هذه الشقوق، حيث تتراوح إنتاجية الآبار ما بين 10 و 100 لتر في الثانية. يرتفع مستوى المياه إلى أكثر من 10 أمتار فوق سطح الأرض في بعض الأحيان، وينخفض إلى عمق 112 مترًا في منطقة وادي المياه بالمملكة العربية السعودية. بالقرب من مناطق التكشف، تكون نوعية المياه جيدة (أقل من 1 جرام لكل لتر)، لكنها تسوء كلما اتجهنا شرقًا أو شمالًا (لتصل إلى 4-120 جرام لكل لتر)، مما يُشير إلى تزايد الملوحة بسبب زيادة مسافة التدفق أو قربه من المناطق الساحلية.
- التغذية والاتصال الهيدروليكي: تُعدّ مياه أم الرضمة مضغوطة، وهي على اتصال هيدروليكي مع الطبقات التي تعلوها، مثل تكوين الدمام والنيوجين. تتم التغذية الجوفية عن طريق رشح مياه الأمطار والأودية.
تكوين الدمام (الأيوسين):
- الامتداد والسمك: يتكشف تكوين الدمام في مناطق متفرقة حول الساحل وجنوب قطر وفي مناطق الربع الخالي، وتمتد تكشفاته حتى العراق. يبلغ سمكه قرب الدمام 32.5 مترًا.
- الخصائص والاستغلال: تتميز طبقة الدمام بوجود شقوق تزيد من نفاذيتها. تُضخ طبقة الخبر ضمن تكوين الدمام ما بين 7 و 22 لترًا في الثانية من عمق 200-300 متر في منطقة الهفوف. تتراوح ملوحة مياه الدمام بين متوسطة وعالية، حيث تبلغ في الغرب نحو 1 جرام لكل لتر، وتتجاوز 6 جرامات لكل لتر على طول المناطق الساحلية. يُستغل تكوين الدمام على نطاق واسع في المنطقة الشرقية من السعودية والبحرين لأغراض الزراعة والشرب. تُشير الدراسات إلى وجود تغذية من رشح مياه الأمطار.
- تكوين النيوجين (الحقب الثالث):
- الطبقات المكونة: يُعدّ التكوين الثالث ذو الأهمية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. ينقسم إلى ثلاث طبقات فرعية:
- الهفوف: يتكون من الحصى والحجر الرملي والغضار، وسمكه يتراوح بين 30 و 100 متر.
- الدمام: يتكون من المارل (طين جيري)، وسمكه يتراوح بين 30 و 100 متر.
- الهيدرويك: يتألف من الحجر الكلسي والكلسي الرملي، ويبلغ سمكه حوالي 9 أمتار.
- السماكة والإنتاجية: تبلغ سماكة تكوين النيوجين الإجمالية 120 مترًا، وقد تصل إلى 200 متر في وادي المياه. يُعتبر من التكوينات عالية الإنتاجية.
- العيون والآبار: معظم مياه العيون والآبار في منطقة الأحساء تتدفق من تشققات الصخور الكلسية في هذا التكوين. تتراوح تصاريف الآبار ما بين 10 و 30 لترًا في الثانية، وقد تصل إلى 50 لترًا في الثانية. طبقاته مضغوطة في الغالب.
- تصريف العيون ونوعية المياه: تتراوح تصاريف العيون في منطقة الهفوف ما بين 3 و 1700 لتر في الثانية (قد يكون هناك خطأ مطبعي في الرقم الأول أو يشير إلى الحد الأدنى)، مما يُشير إلى تدفقات كبيرة. تتراوح نوعية المياه ما بين 1 و 5 جرامات لكل لتر.
- التغذية: تتغذى تكوينات النيوجين بشكل رئيسي من الطبقات التحتية (تكوينات أم الرضمة والدمام)، كما توجد تغذية مباشرة تُقدر بحوالي 328 مليون متر مكعب سنويًا من رشح الأمطار.
مجموعة الصخور الحطامية في أسرّة الوديان (الرباعي)
بالإضافة إلى التكوينات المذكورة، توجد أيضاً مجموعة من الصخور الحطامية التي تعود إلى الحقب الرباعي، وتنتشر في أسرّة الوديان الكبرى مثل وادي الدواسر ووادي السرحان على الحدود السعودية الأردنية، ووادي حضرموت ووادي بنا في اليمن. تُشكل الطبقات المائية المنتشرة في هذه الأودية أهمية كبيرة، خاصة في شطري اليمن، نظراً لفقر هذه المناطق المائي، حيث تُعتبر هذه التكوينات مصادر مياه جوفية محلية حيوية.