فهم طبيعة حق الرجوع في تأمين الحريق: مبدأ الحلول القانوني، تطبيقاته، والاستثناءات التشريعية لحماية الأفراد المرتبطين بالمؤمن له

الحلول القانوني للمؤمِّن في التأمين ضد الحريق: حسم تشريعي وخلافات استثنائية

لقد حسم المشرع الجدل الفقهي الطويل حول طبيعة حق المؤمِّن في الرجوع على المتسبب في الضرر، وذلك على الأقل فيما يتعلق بـالتأمين ضد الحريق. يُعد هذا الحسم التشريعي خطوة مهمة نحو توضيح آلية التعويض وضمان تحقيق العدالة بين الأطراف المعنية.


مبدأ الحلول القانوني كأساس لحق الرجوع:

وفقًا للمادة (771) من القانون المدني (والتي تتفق في جوهرها مع المادة 926 من القانون المدني الأردني)، خول المشرع المؤمِّن (شركة التأمين) الحق في الحلول القانوني محل المؤمَّن له (الشخص المتضرر الذي حصل على التعويض) في مطالبة المسؤول عن الضرر (المدين) بقيمة التعويض الذي وفى به المؤمِّن.

ماذا يعني الحلول القانوني؟ ببساطة، عندما يدفع المؤمِّن قيمة التأمين للمؤمَّن له نتيجة وقوع حادث حريق يغطيه التأمين، فإنه يحل محل المؤمَّن له في جميع الحقوق والدعاوى التي كان من الممكن للمؤمَّن له أن يرفعها ضد الشخص الذي تسبب في الحريق. هذا يعني أن المؤمِّن لا يطالب بتعويض عن ضرر لحقه هو شخصيًا، بل يمارس الحق الأصيل للمؤمَّن له في المطالبة.

لماذا هذا المبدأ مهم؟ يخدم مبدأ الحلول القانوني عدة أهداف رئيسية:

  • منع الإثراء بلا سبب: يمنع الحلول القانوني المؤمَّن له من الحصول على تعويض مرتين لنفس الضرر؛ مرة من المؤمِّن ومرة أخرى من المتسبب في الضرر.
  • تحقيق العدالة: يضمن عدم إفلات المتسبب في الضرر من مسؤوليته، ويُحمّله تبعات فعله الخاطئ.
  • الحفاظ على توازن عقود التأمين: يسمح للمؤمِّن باسترداد المبالغ التي دفعها، مما يساهم في استدامة نظام التأمين.

الاستثناءات على مبدأ الحلول القانوني: حماية الروابط الأسرية والتبعية

على الرغم من إقرار مبدأ الحلول القانوني، وضع المشرع استثناءات محددة لا يجوز فيها للمؤمِّن الرجوع على المتسبب في الضرر. هذه الاستثناءات تعكس مراعاة المشرع للعلاقات الاجتماعية والأسرية، وتحديدًا لمن هم في معيشتهم مع المؤمَّن له أو من يقعون تحت مسؤوليته:

  1. الأقارب والأصهار ممن يكونون في معيشة واحدة مع المؤمَّن له: تشمل المادة (771) مدني صراحة "قريبًا أو صهرًا للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة". هذا الاستثناء يهدف إلى حماية الروابط الأسرية الوثيقة، حيث يُعتبر الإضرار داخل الأسرة التي تعيش تحت سقف واحد حالة خاصة لا ينبغي أن تستغلها شركات التأمين للرجوع على أفرادها. فالقصد من التأمين هنا هو حماية المؤمَّن له وأفراد أسرته المقيمين معه من أثر الحريق، وليس فتح الباب لملاحقة فرد من الأسرة تسبب في الحريق سهوًا أو بخطأ غير مقصود.
  2. الشخص الذي يكون المؤمَّن له مسؤولاً عن أفعاله: يشمل هذا الاستثناء "شخصًا يكون المؤمِّن له مسؤولاً عن أفعاله". يدخل في هذا النطاق عادةً الأشخاص الذين تقع مسؤوليتهم على عاتق المؤمَّن له بموجب القانون، كالأب عن ابنه القاصر، أو المتبوع عن أفعال تابعه (كالعامل عن أفعاله التي ارتكبها أثناء تأدية وظيفته). في هذه الحالات، يعتبر المشرع أن المؤمَّن له هو المسؤول في نهاية المطاف عن أفعال هؤلاء الأشخاص، وبالتالي لا يجوز للمؤمِّن الرجوع عليهم مباشرة لأن ذلك سيؤدي بشكل غير مباشر إلى تحميل المؤمَّن له نفسه عبء التعويض مرة أخرى.

أهمية هذه الاستثناءات: تعكس هذه الاستثناءات فلسفة تشريعية توازن بين مبدأ التعويض العادل وضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي والعلاقات الإنسانية. إنها تمنع المؤمِّن من تحويل العلاقة التأمينية إلى وسيلة للملاحقة القضائية لأفراد الأسرة أو التابعين للمؤمَّن له بسبب أفعال غير متعمدة، وتُبقي عبء المسؤولية داخل النطاق المتوقع للتأمين.

بهذا التنظيم، يكون المشرع قد قدم حلاً واضحًا لمسألة الحلول القانوني في التأمين ضد الحريق، محددًا نطاقه وواضعًا استثناءات دقيقة تخدم أهدافًا اجتماعية وقانونية أوسع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال