تقدم العلم والتأثير السلبي على الفلسفة.. لا جدوى من الفلسفة بعد تطور العلم. العلم لا يمكنه أن يحل محل الفلسفة فهي ضرورية

تقدم العلم والتأثير السلبي على الفلسفة:

طرح المشكلة:
هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث لا طائل وراءه، أو بمعنى أخر ما الذي يبرر وجود الفلسفة بعد أن استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها.

محاولة حل المشكلة:
الأطروحة:
لا جدوى من الفلسفة بعد تطور العلم

الموقف:
يذهب بعض الفلاسفة من أنصار النزعة العلمية (أوجست كونت، غوبلو)) أنه لم يعد للمعرفة الفلسفية دور في الحياة الإنسانية بعد ظهور وتطور العلم في العصر الحديث.

الحجج:
- لأنها بحث عبثي لا يصل إلى نتائج نهائية، تتعدد فيه الإجابات المتناقضة، بل نظرتها الميتافيزيقية تبعدها عن الدقة الموضوعية التي يتصف بها الخطاب العلمي.

هذا الذي جعل أوجست كنت يعتبرها حالة من الحالات الثلاث التي حان للفكر البشري أن يتخلص منها حتى يترك للمرحلة الوضعية وهي المرحلة العلمية ذاتها.
وهذا الذي دفع غوبلو يقول: "المعرفة التي ليست معرفة علمية معرفة بل جهلا".

النقد:
لكن طبيعة الفلسفة تختلف عن طبيعة العلم، فلا يمكن قياس النشاط الفلسفي بمقياس علمي، كما أن الفلسفة تقدمت بتقدم العلم، فالإنسان لم يكف عن التفلسف بل تحول من فلسفة إلى فلسفة أخرى.

نقيض الأطروحة:
هناك من يبرر وجود الفلسفة رغم تطور العلم.

الموقف:
يذهب بعض الفلاسفة من أنصار الاتجاه الفلسفي (ديكارت، برغسون، مارتن هيدجر، كارل ياسبرس) أن العلم لا يمكنه أن يحل محل الفلسفة فهي ضرورية.

الحجج:
لأن الفلسفة تجيب عن تساؤلات لا يجيب عنها العلم.

فهاهو كارل ياسبرس ينفي أن تصبح الفلسفة علما لأنه يعتبر العلم يهتم بالدراسات المتخصصة لأجزاء محددة من الوجود مثل المادة الحية والمادة الجامدة ... إلخ.

بينما الفلسفة تهتم بمسألة الوجود ككل، وهو نفس الموقف نجده عند هيدجر الذي يرى أن الفلسفة موضوع مترامي الأطراف أما برغسون أن العلوم نسبية نفعية في جوهرها بينما الفلسفة تتعدى هذه الاعتبارات الخارجية للبحث عن المعرفة المطلقة للأشياء، أي الأشياء في حد ذاتها.

وقبل هذا وذاك كان ديكارت قد أكد على هذا الدور للفلسفة بل ربط مقياس تحضر أي أمة من الأمم بقدرة أناسها على تفلسف أحسن.

النقد:
لكن الفلسفة باستمرارها في طرح مسائل مجردة لا تيسر حياة الإنسان مثلما يفعل العلم فإنها تفقد قيمتها ومكانتها وضرورتها.
فحاجة الإنسان إلى الفلسفة مرتبطة بمدى معالجتها لمشاكله وهمومه اليومية.

التركيب:
لكل من الفلسفة والعلم خصوصيات مميزة.
فلا ينبغي للإنسان أن يثق في قدرة العلم على حل كل مشاكله و الإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها و بالتالي يتخلى عن الفلسفة.

كما لا ينبغي له أن ينظر إلى العلم نظرة عجز وقصور عن فهم وتفسير الوجود الشامل، بل ينبغي للإنسان أن يتمسك بالفلسفة والعلم معا.

لأن كل منهما خصوصيات تميزه عن الأخر من حيث الموضوع والمنهج والهدف وفي هذا الصدد يقول المفكر الفرنسي لوي ألتو سير: "لكي تولد الفلسفة أو تتجدد نشأتها لا بد لها من وجود العلوم...".

حل المشكلة:
وفي الأخير نخلص إلى أن الإنسان يعتمد في تكوين معرفته وتطوير حياته عن طريق الفلسفة والعلم معا فلا يوجد تعارض بينهما فإن كانت الفلسفة تطرح أسئلة فإن العلم يسعى سعيا للإجابة عنها، ثم تقوم هي بدورها بفحص إجابات العلم و نقدها.

وهذا يدفع العلم إلى المزيد من البحث والرقي وهذا الذي دفع هيجل إلى قولته الشهيرة "إن العلوم كانت الأرضية التي قامت عليها الفلسفة، وتجددت عبر العصور."
أحدث أقدم

نموذج الاتصال