من التوازي إلى التشاكل.. الدلالة البنيوية تعريفا دلاليا يستند إلى تكرار المقومات السياقية لبناء الجهات البلاغية مع ضرورة تجاوز مفهوم التوازي



إذا كان كَريماص (1966 أ) أول من وظف مصطلح التشاكل (Isotopie) المستعار من حقل الفيزياء باعتباره يؤشر على المشابهة والانتماء إلى حقل أو ميدان أو مكان، فإننا، مع ذلك، لن نتبنى أطروحاته التي ظلت سجينة المحتوى في الخطاب السردي على الخصوص، إذ قدم في كتابه، الدلالة البنيوية تعريفا دلاليا يستند إلى تكرار المقومات السياقية (العامة).
إن الخطاب، في نظره، يحمل عناصر تبدو ظاهريا متناقضة لكنها متشاكلة دلاليا بفضل مبدأ التوسيع الذي يرتبط بالتعريف الخطابي، حيث مكونات الخطاب يشرح بعضها بعضا، تارة عن طريق التوسيع والتكثيف، وتارة أخرى بواسطة التعريف والتحديد[1].
18_هذا الرجل أسد.
فالجملة (18) حسب كَريماص، تظل في سياقنا الاجتماعي أحادية الإحالة، بحيث إن بناء التشاكل ينتج عن تكرار المقوم السياقي [+ إنسان] الموجود في الوحدة الدلالية 'الرجل'، وفي الوحدة الدلالية ' أسد ' التي أسندت إليها صفة إنسانية؛ الشجاعة.
ويمكن أن نحصل على تشاكل ثان إذا ما وضعنا الجملة السابقة في سياق آخر هو: سياق الناس أسود...
وهذا يعني، أن الخطاب (أو الجملة الواحدة) قد يتأسس على أكثر من تشاكل (التشاكل المركب) بواسطة اختلاف التأويل واختلاف السياق.
لقد قدمنا سابقا نقدا لهذا التصور الذي يتجاهل المقومات العرضية الإيحائية، كما فسرنا التعدد المعنوي وبالتالي التشاكل المركب في ضوء العلاقة بين مختلف الحقول المعجمية، والأطر المعرفية.
وفي راستيي (1972) نجد توسيعا لمفهوم التشاكل، إذ يشمل كل وحدة لغوية معينة: (التشاكل هو كل تكرار لوحدة لغوية ما. فالتشاكل الأولي يتضمن، إذن، وحدتين للتمظهر مما يعني أن عدد الوحدات المكونة لتشاكل ما نظريا غير محددة )[2].
ومن ثم، وجه هذا التعريف الدراسات الخاصة بالتشاكل نحو الحقل البلاغي - الأسلوبي (جماعة Mu 1977).
بيد أن مفتاح (1985) يقدم توسيعا أشمل، بحيث يعتبر التشاكل متضمنا لتشاكل النصوص مع بعضها البعض ومع ثقافة الأمة، (فأي نص مهما كان ليس إلا إركاما وتكرارا لنواة معنوية موجودة قبل)[3].
ويعزر الباحث تنميته هاته لمفهوم التشاكل بواسطة الاهتمام البارز "بالتشاكل التداولي" الذي أصبح يحتل موقعا هاما في التعريف باعتبار التشاكل "تنمية لنواة معنوية سلبيا أو إيجابيا بإركام قسري أو اختياري لعناصر صوتية ومعجمية وتركيبية ومعنوية وتداولية ضمانا لانسجام الرسالة"[4].
وقد أرجع مفتاح (1994)/1996)، وفق منظوره الدينامي، التشاكل التداولي إلى نواة دلالية واحدة هي الحياة / والممات، لأن التحليل التشاكلي، في نظره، القائم على التحليل بالمقومات يكشف عن بعض الثوابت الأنتروبولوجية الكونية
 وهو ما ينسجم مع التصور المعرفي التجرباني الذي دافعنا من خلاله سابقا عن وجود مقومات كلية بمثابة نواة تؤطرها التجارب الإنسانية المشتركة دون أي تجاهل لما قد يتفرع عنها من مقومات سياقية خاصة بكل ثقافة.
غير أن منظورنا لهذا المفهوم، ينطلق من اقتناع أساس يتمثل في ضرورة الانتقال من التشاكلين الدلالي والتداولي نحو مستوى تشاكلي تفاعلي ننعته بالتشاكل البلاغي - الدلالي الذي نستثمره لبناء الجهات البلاغية مع ضرورة تجاوز مفهوم التوازي، نتيجة قصوره الإجرائي، لإدماجه في نظرية التشاكل العامة.
فما مسوغات إلحاق التوازي بالتشاكل؟
نميز، في البدء، بين التوازي والتجنيس والتكرار باعتبارها ظواهر لصيقة منذ القدم بالآداب العالمية والخطابات السياسية والدينية...، وبين المفاهيم المرتبطة بدراسة تلك الظواهر انطلاقا من تعدد الاتجاهات الوصفية والتأويلية التي تضع قيودا مختلفة لقراءتها.
ومن ثم، ندرس الكفاية الإجرائية لمفهوم التوازي بالنظر إلى توفره على اقتضاءات تصورية في مختلف الأدبيات التي تتبناه.
إننا ننطلق من الفرضية التي دافع عنها مفتاح (1985) التي تعتبر التشاكل مفهوما عاما يشمل التكرار والتوازي والتجنيس.. وعليه، يمكن إدراج مقولة التوازي ضمن النسقين؛ التشاكل الدلالي والتشاكل البلاغي - الدلالي، خاصة أن القصور الإجرائي لمفهوم التوازي يتمثل في عدة اعتبارات، شأنه في ذلك شأن مفهوم الجناس في البلاغة العربية، نجملها فيما يلي:
- لا يشمل مفهوم التوازي تحليل الكلمات إلى مقومات من شأنها أن تحدد علاقات الاختلاف و التشابه بين الوحدات المعجمية.
- إن التوازي يفتقد إلى إوالية لوصف الحد متكرر في الكلمة الواحدة، وهو ما أدرجناه آنفا في "التشاكل الجهي".
- لا يشمل التوازي وصف التشاكل الصوتي في الكلمة الواحدة.
- إن مفهوم التوازي قد ظل سجين الأطروحات الوصفية للشعرية البنيوية، بينما تمت تنمية مباحث التشاكل في الدلالة اللسانية والدراسات السيميائية التأويلية.
ولهذه الاعتبارات أدرجنا التوازي ضمن مباحث التشاكل بالنظر إلى صياغتنا لمفهوم "تشاكل التوازي" الذي يؤول الجهات البلاغية المنتجة للأزمنة بواسطة تفاعل المكونات الصوتية والمعجمية والتركيبة في بناء مواز. ومنطلق هذا التوسيع، أن التوازي بوصفه تكرارًا لنواة صرافية - تركيبية في متواليتين أو أكثر، يراكم التناظر والتغاير على السواء، الشيء الذي يسمح باعتبار تراكم التكافؤ والتباين تشاكلات متوازية نحلل بعض نماذجها في بعض الأمثلة اللاحقة.
وبناء على ما سبق نتبنى الحد التالي:
يستند بناء التشاكل إلى تنمية نواة معنوية بإركام مكونات صوتية ودلالية وأيقونية ضمانا لانسجام الرسالة.
ومن ثم، نعتبر هذه الظاهرة عملية تشييدية - تأويلية تتم على مستوى البعدين التراكبي والاستبدالي للغة، ما دام كل تشاكل يعني تكرار وحدة لغوية ما، معلنة أو مضمرة.
غير أن العملية- الأساس هي تحويل مبدأ التكافؤ لمحور الانتقاء إلى محور التنظيم التراكبي. فكل مقوم يتحدد بعلاقة داخل استبدال معين؛ أي داخل طبقة من الوحدات الدلالية.
وتتوزع هذه العلاقة بين علاقة التماثل بالنسبة للمقومات العامة وعلاقة الانفصال بالنسبة للمقومات الخاصة.
لكن هذه العلاقات تنقل تشاكلاتها الممكنة إلى المستوى التراكبي القائم على المتواليات، إذ تسقط عليه خصائص التكافؤ والمشابهة واللامشابهة.
إن من نتائج هذا التصور أن تعريف التشاكل تراكبي وليس تعريفا تركيبيا، خاصة إذا افترضنا أن دراسة التشاكلات المرتبطة بالوحدة الدلالية (Sémème) تجري في نطاق الدلالة الجزئية المختلفة عن التركيب.
كما أن هذه الدلالة تصف مادة المحتوى، بينما يصف التركيب شكله، ناهيك عن أن تكرارات المقوم المتشاكل مرتبطة فيما بينها بعلاقة التماثل والتناظر دون علاقة الرتبة[5].
ومع ذلك، يمكن التأكيد على الدور الهام الذي تلعبه العلاقات التركيبية في توجيه تأويل التشاكلات انطلاقا من السياق اللساني.
وعليه، نؤكد بأن بناء التشاكلات يستند إلى القراءة والتأويل اللذين يطبقان إحدى أهم عملياتهما على الوحدات الدلالية، وهي المماثلة بواسطة مبدأ الإسقاط. وبذلك، لا يمكن اعتبار معيار عدم التناقض أساسا لتوجيه استراتيجية القارئ نحو بناء انسجام الخطاب.
ذلك أن عملية البناء هاته ترتكز أساسا على النظر في البعدين التراكبي والاستبدالي مع مراعاة مدى تأثير العلاقات التركيبية في إنتاج التعدد المعنوي دون الأخذ بقيد عدم التناقض.
إن هذه الاستراتيجية تمكننا من تحديد التشاكل الأفقي والعمودي في الخطاب (راستيي 1972).
فالأول يحدد بواسطة افتراض الوحدة المعجمية التي تمثل حقله، وتصنيف الوحدات المنسجمة معه.
وقد نشيد أكثر من تشاكل من خلال القراءة المتعددة للوحدات الدلالية.
غير أن الحقول المشيدة، هي حقول دلالية سياقية منسجمة مع ما ينتجه كل مجتمع من معارف وتصورات وفق أطر معرفية معينة.
وتؤدي القراءة الاستبدالية إلى تحديد التشاكل العمودي (أو الاستعاري) الذي يبنى على أساس العلاقة بين وحدتين دلاليتين أو مجموعة من الوحدات الدلالية المنتمية إلى حقلين مختلفين.
وهذا ما يفسح المجال لحصر المقومات الجوهرية أو العرضية بين الوحدات المتعالقة كما في التشاكل الاستعاري الوارد بين الوحدتين الدلاليتين 'رأس' و 'قمة' في الجملتين (19) و (20).
19_هذه قمة الجبل.
20_هذا رأس الجبل.
 إن المقوم المشترك بين الوحدتين 'رأس' و ' قمة ' هو [+حد] باعتباره مقوما جوهريا فيهما معا.
لكن المشترك بين الوحدتين الدلاليتين ' ثابتة ' و ' حية ' في الجملتين (21) و (22)، هو المقوم [+حي] باعتباره عرضيا في الأولى وجوهريا في الثانية.
21_هذه آثار حية
22_هذه آثار ثابتة.                                                                    
غير أن استثمار مفهوم التشاكل في الدرس الأدبي لتنمية كفايات الذكاء البلاغي لدى التلميذ يستلزم التركيز على مفهوم الجهة الدائرية الذي اقترحناه بوصفه مجالا معرفيا تلتقي فيه مختلف الكفايات والمهارات المرتبطة بتأويل الخطاب وبتفسير مجموعة من الظواهر البلاغية_ الدلالية والأسلوبية مثل الاستعارة والطباق والإيقاع بمختلف أنواعه....
[1]- كريماص (1986)، ص ص. 74-75 .
[2]- راستيي (1972)، ص. 82.
[3]- مفتاح (1985)، ص. 25.
[4]- المرجع نفسه.
[5] - راستيي (1987)، ص ص. 96-97.