ابن بطوطة الآن.. ترى العالم.. الحكي المتأصل في وجدان الإنسان العربي المصحوب بتذوق الحياة فعلا وقولا



فن الرحلة واحد من فنون السرد العربي التي أثبتت أن قدرة العربي القديم على الحكي متأصلة في وجدانه، بوصفها رغبة فطرية مشبوبة بتذوق الحياة فعلا وقولا.. من هذا المنطلق نخصص هذه الدراسة لمصاحبة واحد من الرحالة العرب الذين بلغت شهرتهم الآفاق؛ إنه الرحالة الذي أطلق عليه الغرب "أمير الرحالة العرب"؛ فهل عرفته؟! إنه "ابن بطوطة".. لا شك أننا جميعا نعرفه؛ ولكن ذلك لن يمنعنا من طرح سؤال بصدد معرفتنا فنقول: من "ابن بطوطة"؟! وما قصته؟ وكيف وصلت إلينا؟
(1) الرحالة والرحلة:
الرحالة: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة (704-779هـ/ 1304-1377م).
الرحلة: إنها الرحلة الأشهر في تراثنا الأدبي، والمسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". وتمثل هذه الرحلة نموذجا للصوت السردي الذي أفرزته رغبتان: رغبة السفر وفضول الترحال، والرغبة في الحكي والتواصل مع الآخرين.. تقع الرحلة في قرابة 700 صفحة من القطع المتوسط، وهي بنية أدبية تعد نموذجا أصيلا من أهم نماذج التراث السردي العربي؛ إذ تشير هذه الرحلة في مجملها إلى جانب مهم من حياة صاحبها المرتبطة بالحركة والتنقل على مستويَي الزمان والمكان معا، وتنقسم هذه الرحلة إلى ثلاث مراحل استغرقت قرابة تسعة وعشرين عاما (1325- 1354م)، قضاها ابن بطوطة متنقلا بين البلاد منطلقا من مسقط رأسه "طنجة" في المغرب العربي، وهو لم يتجاوز حينئذ اثنتين وعشرين سنة، متجها إلى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج، ثم مغيرا مقصده من خصوص رحلة الحج إلى عموم السفر والارتحال؛ فجال شرقا وغربا في أطراف العالم الإسلامي، في ذلك الوقت، حتى انتهى إلى مبتدأ رحلته، إلى مدينة فاس ببلاد المغرب العربي، حيث التحق بحاشية السلطان أبي عنان من بني مرين؛ حيث عكف بتكليف من السلطان ومساعدة من كاتبه "محمد بن جُزَيّّ الكلبي" على تدوين الرحلة بكل ما اشتملت عليه من مشاهدات، وما ترتب عليها من تجارب وخبرات، أدرج كثيرا منها في خانة الغريب والعجيب.. لقد فصَّل ابن بطوطة في هذه الرحلة القول في وصف ما مرَّ به من بلدان، وفي ذكر من قابلهم في كل بلد من الأعلام والسلاطين والحكام.. فكانت المحصلة التي وصلت إلينا وثيقة معرفية (اجتماعية، وجغرافية، وتاريخية) عن جانب كبير من العالم الإسلامي مترامي الأطراف –وما جاوره من عوالم أخرى- في ذلك الوقت في مزيج كتابي يجمع الواقعي بالمتخيل.
أحمد عبد العظيم


0 تعليقات:

إرسال تعليق